
سيف العسليالجمعة - 15 - مايو - 2009
لا يجادل أحد بأن الاقتصاد اليمني يعاني من مشاكل خطيرة ولكن لسوء فلا يوجد اتفاق حول أهم هذه المشاكل وبالتالي حول المعالجات المناسبة لها. فالبعض يعزي هذه المشاكل إلى الأزمة المالية، والإرهاب والاضطرابات السياسية، في حين أن البعض الآخر يعزي ذلك إلى السياسات الخاطئة التي تتبعها الحكومة. إنني اعتقد بأن كلتا وجهتي النظر يخالفهما الصواب.إن التوصيف السليم لأهم المشاكل التي يعاني منها الاقتصاد اليمني قد يساعد الفريقين على اكتشاف أخطائهما وبالتالي البحث عن التشخيص السليم والعلاج المناسب في أي حوار بينهما وبالتالي فقد يساعدهما ذلك على الاتفاق حول المعالجات الناجعة، فمن وجهة نظري أن أهم مشكلة يعاني منها الاقتصاد اليمني هي تدني نصيب الفرد من الدخل الحقيقي وأن أفضل علاج لذلك هو تنمية الموارد البشرية.يقصد بتنمية الموارد البشرية الحصول على أفضل وسائل التعليم وخصوصا التعليم الأساسي وأكفأ تقنيات التدريب وخصوصا التدريب الفني والمهني وأنسب عمليات التعليم خلال العمل، وقبل ذلك البحث عن المواهب وصقلها وتمكينها من استخدام مواهبها، أي وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وبعد ذلك ربط التوظيف والترقيات بالإنجاز والابتكار. ومع ذلك إعطاء العاملين ما يستحقون من الأجور والمرتبات والمكافآت، إن ذلك كفيل بتحقيق مستقبل أفضل لليمن، فإذا ما تم تحليل المشاكل الاقتصادية التي واجهت ولازالت تواجه اليمن أو على الأقل أهمها وأخطرها فإننا سنجد أن إهمال تنمية الموارد البشرية كان من أهم أسبابها ان لم يكن السبب الوحيد.فلا شك أن أهم مشكلة يعاني منها الاقتصاد اليمني هي الانخفاض المستمر في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي. فالبيانات المتوفرة تشير إلى أن متوسط نصيب الفرد من الدخل الاسمي في الوقت الحاضر هو في حدود 700 إن ذلك يعني أن المتوسط الحقيقي لنصيب الفرد من الدخل في الوقت الحاضر لا يزيد عن 200 دولار بأسعار عام 1990م ولا يزيد عن 300 دولار بأسعار عام 2000م ولاشك أن ذلك يشير إلى حدوث انخفاض كبير في متوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي مقارنة بما كان عليه في عام 1990م والذي بلغ حوالي 800 دولار مقارنة بمتوسط نصيب الفرد من الدخل الحقيقي في عام 2000م والذي بلغ 600 دولار.ما من شك بأن تدني نصيب الفرد من الدخل الحقيقي يعد مشكلة اقتصادية واجتماعية وسياسية خطيرة فقد كان من المفترض أن يتزايد ذلك عبر الزمن وان لا يتناقص، ونتيجة لذلك فقد ارتفعت معدلات البطالة والتضخم والإعالة وسوء التغذية وخصوصاً بين الأطفال وانتشرت الأمراض، وكذلك لقد ترتب على ذلك انخفاض معدلات الاستهلاك والاستثمار ولقد تسبب ذلك في انتشار ظاهرة الفقر وتفشي العديد من الاختلالات الاجتماعية وتهديد كبير وخطير للاستقرار السياسي.إن ذلك يحتم على جميع الفرقاء السياسيين إعطاء هذه المشاكل أهمية وأولوية على الموضوعات الأخرى مثل الانتخابات والإصلاحات الدستورية والقانونية، ففي ظل السماح للمشاكل الاقتصادية في التفاقم فإنه سيكون لا فائدة من أي إصلاح دستوري ولا من أي انتخابات حتى لو كانت حرة ونزيهة.لقد ترتب على إهمال تنمية الموارد البشرية في اليمن خلال الفترة الماضية حدوث تشوه كبير وخطير لهيكلية الاقتصاد اليمني ونتيجة لذلك فإن الاقتصاد اليمني في الوقت الحاضر يعتمد فقط على قطاعين رئيسيين هما قطاع الخدمات وقطاع النفط إذ يمثل قطاع الخدمات أكثر من 50% من الاقتصاد اليمني وتتوزع مساهمات هذا القطاع على مكوناته التالية: إذ يساهم مكون التجارة والمطاعم بحوالي 15% ومكون المواصلات والاتصالات بحوالي 12%، ومكون البنوك بحوالي 2%، ومكون اليمني خدمات الحكومية بحوالي 11% أما قطاع الإنشاءات فيساهم بحوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي، ويساهم قطاع النفط بحوالي 30% من الاقتصاد اليمني.إن ذلك يدل بدون شك على هشاشة الأسس التي يقوم عليه الاقتصاد اليمني، ويتضح ذلك من حقيقة أن جسم الاقتصاد اليمني يعتمد بشكل شبه كلي على قطاع النفط ولذلك فإن أي انخفاض في قطاع النفط سيسبب وبشكل فوري ومضاعف على قطاع الخدمات وبالتالي على الاقتصاد اليمني بمجمله.والأكثر أهمية هو أن القطاع الأساسي في الاقتصاد اليمني أي قطاع النفط قد أصيب خلال الفترة الماضية بالجمود الشديد، فقد ترتب على ذلك تدني معدل نمو الاقتصاد اليمني الحقيقي، فقد بلغ متوسط معدل النمو الاقتصادي خلال السنوات الماضية حوالي 3.5% وفي نفس الوقت فإن معدل النمو السكاني يصل إلى حوالي 3.4%.لقد كان من المفترض أن يعمل استغلال موارد النفط على المساعدة في تنمية الموارد البشرية، ولكن بدلاً من ذلك فقد أدى فقط إلى استيعاب فائض القوى العاملة من قطاع الزراعة من خلال توسع قطاع الخدمات «الموظفين الحكوميين، منتسبي المؤسسات العسكرية والأمنية، خدمات الفنادق والمطاعم، عمال البناء والتشييد».فمع جمود قطاع النفط لم يعد قطاع الخدمات قادراً على استيعاب المزيد من فائض القوى العاملة، ولقد ترتب على ذلك زيادة معدل البطالة وانخفاض الأجور الحقيقية وزيادة معدل الإعالة، ولأن هذا الفائض من القوى العاملة ليس مدرباً فلم يتم استيعابه لا في الداخل ولا في الخارج.والأكثر أهمية من ذلك أنه من المتوقع أن تتفاقم هذه المشاكل في المستقبل القريب، إذ أنه من المتوقع أن ينخفض إنتاج النفط خلال الفترة القادمة بما لا يقل عن 12% سنوياً، وفي هذه الحالة فإن ذلك سيترتب عليه تخفيض في معدل النمو الاقتصادي المباشر بما يقرب من 2%، وفي حال انخفاض أسعار النفط الدولية عن 60 دولاراً للبرميل فإن ذلك سيؤدي بشكل غير مباشر إلى تخفيض معدل النمو الاقتصادي بما لا يقل عن 1% ان ذلك يعني استمرار انخفاض معدل نصيب الفرد من الدخل القومي.من الواضح ان معدل نمو اقتصادي بهذا الحجم لن يكون قادرا على استيعاب نمو العمالة والذي يصل إلى حوالي 4% سنويا وإذا كانت نسبة البطالة الحالية تزيد عن 20% ونسبة الزيادة في الوظائف يقل عن 1% سنويا فإنه من المتوقع ان تزداد نسبة البطالة خلال السنوات القادمة بشكل كبير ولا شك ان نظام سعر معدل النمو الاقتصادي عن مستوياته الحالية سيضاعف من هذا الآثار.ومما يزيد الطين بلة ان الاقتصاد اليمني ايضا معرض للانكماش لاسباب اخرى إذ انه من المتوقع حدوث انخفاض كبير في تحويلات المغتربين وقد يزداد هذه الانكماش حدة في انخفاض أو تعثر عملية السحب من المساعدات والقروض المقدمة من الدول والمنظمات المانحة.إن تدني معدل النمو الاقتصادي الحالي وتوقع تدنيه بشكل كبير في المستقبل يعني ان ظاهرة الفقر ستتسع، فإذا كانت هذه النسبة في الوقت الحاضر تزيد عن 40% فإن اتساعها سينذر بكوارث اجتماعية فهذه النسبة من الفقر قد وضعت اليمن في الرقم 155 من قائمة الدول التي تضم حوالي 177 دولة.ولمنع تحقيق ذلك فإنه لا بد من العمل على كسر هذه الحلقة المفرغة التي يدور فيها الاقتصاد اليمني ومن أجل ذلك فإنه لا بد من تطوير قطاعات اقتصادية جديدة تعمل على التعويض عن الآثار المترتبة عن الانخفاض المتوقع في إنتاج النفط وكذلك العمل على استيعاب فائض القوى العاملة في الاقتصاد اليمني ومن الواضح انه لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال إعطاء تنمية الموارد البشرية أولوية قصوى.ولحسن حظ اليمن انه لا تزال لديه إمكانية كبيرة لتحقيق ذلك فلديه من الموارد المحلية ما يمكنه من تحقيق ذلك وكذلك فإن لديه مجالاً اقليمياً واعداً.فعلى الرغم من كون اليمن فقيرا نسبيا في الموارد الطبيعية مثل الماء والاراضي الصالحة للزراعة والموارد النفطية فإن لديه ثروة بشرية كبيرة وموقفا ممتازا ومناخا فريداً وتاريخا غنيا وقدرا معقولاً من الموارد المعدنية الاخرى.وعلى هذا الاساس فإن أهم ميزة نسبية لليمن هي موارده البشرية ومن ثم فإن تنويع مصادر الدخل في اليمن لا بد وان يبدأ وينتهي في إطار ما يتوفر لليمن من موارد بشرية.ولذك فإنه ينبغي ان تكون تنمية الموارد البشرية اليمنية هي هم كل اليمنيين من سلطة ومعارضة خلال الخمس السنوات القادمة ان ذلك يستحق من الجميع ان يضحوا من اجله.إن ذلك يستحق ان تؤجل من أجله الانتخابات وليس لأي سبب آخر، ان ذلك يستحق ان نتوقف من اجله عن المناكفات السياسية، ان ذلك يستحق ان نقلل من اجله حدة التنافس السياسي، ان ذلك يستحق ان نوقف من اجله الخصومات السياسية.ان ذلك يستحق ان تجند له كل منابر الاعلام العامة والحزبية والخاصة، ان ذلك يستحق ان تنشغل من اجله المساجد بدلاً من انشغالها بقضايا لا تسمن ولا تغني من جوع، ان ذلك يستحق ان يكون الموضوع الاول في نقاشات جلسات القات او حتى الجلسات الاجتماعية والعائلية.إن ذلك يستحق ان يكون الموضوع الاساسي في كل فعالياتنا الوطنية والدينية، ان ذلك يستحق ان تدبج به خطاباتنا الوطنية، ان ذلك يستحق ان تضع لمشاريعه حجر الاساس وان نحتفي في افتتاح وتشغيل مشاريعه.ان ذلك يستحق ان تعقد له المؤتمرات تلو المؤتمرات وورش العمل تلو ورش العمل وحلقات البحث تلو حلقات البحث، ان ذلك يستحق ان تقدم من اجل التميز فيه الجوائز كل الجوائز، ان ذلك يستحق ان يكون الجادون والمتميزون فيه هم الابطال الحقيقيون.ان ذلك يستحق ان تظل الحكومة من اجله في انعقاد دائم، ان ذلك يستحق ان تكون له الأولوية المطلقة في الموازنات العامة المحلية والمركزية، ان ذلك يستحق ان تكون هو البند الأول في أي اتفاقيات نعقدها مع الدول الصديقة والشقيقة.ان ذلك يستحق ان يستحوذ على برامجنا الحزبية، ان ذلك يستحق ان يستحوذ على كل طاقاتنا وجهدنا فهل نحن فاعلون، اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق