عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما كانت صحف إبراهيم ؟ قال:
(كانت أمثالا كلها .. أيها الملك المتسلط المبتلى المغرور: إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها وإن كانت من كافر. وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له ساعات: فساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها في صنع الله عز وجل، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب.
وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا لثلاث: تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم. وعلى العاقل: أن يكون بصيراً بزمانه، مقبلاً على شأنه، وحافظاً للسانه، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه).
قلت: يا رسول الله .. فما كانت صحف موسى عليه السلام ؟ قال: (كانت عبراً كلها : عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح، عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب، عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها، عجبت لمن أيقن بالحساب غداً ثم لا يعمل).
قلت: يا رسول الله .. أوصني، قال: (أوصيك بتقوى الله فإنها رأس الأمر كله) .
قلت: يا رسول الله .. زدني، قال: (عليك بتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل، فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء) .
قلت: يا رسول الله .. زدني، قال: (إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه).
قلت: يا رسول الله .. زدني، قال: (عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي).
قلت: يا رسول الله، زدني، قال: (أحب المساكين وجالسهم) .
قلت: يا رسول الله، زدني، قال: انظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك).
قلت: يا رسول الله زدني، قال: قل الحق وإن كان مرا).
قلت: يا رسول الله زدني، قال: ليردك عن الناس ما تعلمه من نفسك ولا تجد عليهم فيما تأتي، وكفى بك عيباً أن تعرف من الناس ما تجهله من نفسك وتجد عليهم فيما تأتي).
ثم ضرب بيده على صدري فقال: (يا أبا ذر: لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق). "رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد).
***
فكن أخا الإسلام:
شبيها بأبي ذر رضي الله عنه في حبه للعلم، وحرصه على طلبه، ولا سيما إذا كان من أستاذ البشرية جمعاء صلوات الله وسلامه عليه، الذي أحبه أكثر من نفسه، بل ومن كل شيء في هذا الملكوت الذي يعيش فيه.
وهو هنا في هذه الوصية يسأل أستاذه المصطفى صلى الله عليه وسلم عن صحف إبراهيم وموسى على نبينا وعليهما الصلاة والسلام .. فيخبره صلى الله عليه وسلم أنها كانت أمثالاً وعبراً كلها .. ثم يذكر له بعض هذه الأمثال والعبر التي إن تعمقنا فيها وحققنا مغزاها لكانت مشعلاً مضيئاً لنا على طريق الفلاح والوصول إلى الله تعالى .
ثم كانت هذه الوصايا العظيمة التي زوده الرسول صلى الله عليه وسلم بها تلبية لرغبته عندما قال له: يا رسول الله أوصني .. فقال له صلوات الله وسلامه عليه :
*( أوصيك بتقوى الله فإنها رأس الأمر كله ):
وحسب العاقل أن يفهم هذا المعنى الكبير الذي ركز الرسول صلى الله عليه وسلم عليه .. وهو أن التقوى بالنسبة للعبادة كالرأس بالنسبة للجسد .. فكما أنه لا حياة للإنسان بدون رأس.. كذلك لا معنى للعبادة بدون تقوى..
وهي كما وصفها علي رضي الله عنه: "الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل، والرضا بالقليل".
وهي .. المحافظة على آداب الشريعة.
وهي .. مجانبة كل شيء يبعدك عن الله .
وهي .. أن لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك.
وخلاصة معناها كما أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)[1].
والمتقون في هذه الدنيا كما وصفهم على رضى الله تعالى عنه: "هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم، لا يرضون من أعمالهم القليل، ولا يستكثرون الكثير، فهم لأنفسهم متهمون، ومن أعمالهم مشفقون.. ومن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين، وحزماً في لين، وإيماناً في يقين، وحرصاً في علم، وعلماً في حلم، وقصداً في غنى، وخشوعاً في عبادة، وتجملاً في فاقة، وصبراً في شدة، وطلباً في حلال، ونشاطاً في هدى، وتحرجاً عن طمع، يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل، يمسي وهمه الشكر، ويصبح وهمه الذكر، يمزج الحلم بالعلم، والقول بالعمل" .
ولهذا .. ومن أجل هذه الصفات العظيمة، إذا قرأنا كتاب الله تعالى سنجد أنه سبحانه وتعالى قد وعد المتقين بكل فلاح ونجاح:
وعدهم بالحفظ والحراسة من الأعداء فقال: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً)[2].
ووعدهم بالنصر والتأييد، فقال: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)[3] .
ووعدهم بالنجاة من الشدائد والرزق الحلال، فقال: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)[4].
ووعدهم بإصلاح العمل وغفران الذنوب، فقال: ( اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم)[5].
ووعدهم بنور يمشون به، فقال: (اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به)[6] .
ووعدهم بمحبته فقال: (... فإن الله يحب المتقين)[7] .
ووعدهم بالإكرام، فقال: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)[8].
ووعدهم بالبشرى في الدنيا والآخرة، فقال: (الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة)[9].
ووعدهم بالنجاة من النار، فقال: (ثم ننجي الذين اتقوا)[10].
ووعدهم بالخلود في الجنة، فقال: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين)[11].
وهم كما تحدث الله تعالى عنهم بعد ذلك بقوله: (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين. والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، ونعم أجر العاملين)[12].
فكن منهم حتى تفوز معهم بكل هذه الامتيازات العظيمة:
ولا تمش إلا مع رجال قلوبهم
تحن إلى التقوى وترتاح للذكر
* (وعليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء):
وحسبك هذا المعنى المحمدي الذي يحتاج إلى عمق في التفكير والفهم السليم.
واعلم أن القرآن فضلاً عن أنه كلام الله الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)[13] هو آية الله الكبرى، وحجته الخالدة، والرسول الأمين، والواعظ الناطق، والبرهان القاطع، والعقيدة الثابتة، والآية الساطعة.
وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال في حديثه عنه وعن فضله:
(.. فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: "إنا سمعنا قرآنا عجبا، يهدي إلى الرشد"[14].. من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعى إليه هدي إلى صراط مستقيم)[15].
ولهذا أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بتلاوة القرآن، وحث على ذلك فقال: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)[16].
وقال: (يقول الرب سبحانه وتعالى: "من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين .." وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه)[17].
وقال: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)[18].
وقال: (البيت الذي يقرأ فيه القرآن يتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض)[19].
وقال: (نوروا منازلكم بالصلاة وتلاوة القرآن)[20].
هذا وللتلاوة آداب منها:
أنه يستحب الوضوء لقراءة القرآن .. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يذكر الله إلا على طهر، وأما الجنب والحائض فتحرم عليهما القراءة وإن كان يجوز لهما النظر في المصحف.
وأما متنجس[21] فتكره له القراءة، وقيل: يحرم لمس المصحف باليد النجسة.
وتسن القراءة في مكان نظيف وأفضله المسجد.
ويستحب أن يجلس القارئ مستقبلا القبلة، متخشعاً بسكينة ووقار، مطرقاً رأسه.
ويسن أن يستاك القارئ تعظيما وتطهيراً.
ويسن التعوذ قبل القراءة.
وأن يحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة غير سورة براء، كما يستحب ذلك إذا قرأ من أثناء السورة.
ويسن الترتيل في قراءة القرآن .. وقد كانت قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم مفسرة حرفاً حرفاً[22] قال تعالى: (ورتل القرآن ترتيلا)[23].
وتسن القراءة بالتدبر والتفهم .. فهو المقصود الأعظم، والمطلوب الأهم، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب .. قال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)[24].
ويستحب البكاء عند قراءة القرآن والتباكي لمن لا يقدر على البكاء مع الحزن والخشوع، قال تعالى: (ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا)[25].
ويسن تحسين الصوت بالقراءة تزيينها .. ففي الحديث: (زينوا القرآن بأصواتكم)[26].
ويسن الاستماع لقراءة القرآن وترك اللغط والحديث بحضور القراءة.
ويسن السجود عند قراءة آية السجدة وهي أربع عشرة: في الأعراف، والرعد، والفرقان، والنمل، والسجدة، وفصلت، والنجم، والنحل، والإسراء، ومريم، وفي الحج سجدتان، والانشقاق، والعلق، وأما سورة ص فمستحبة وليست من عزائم السجود أي متأكداته، وزاد بعضهم آخر سورة الحجر.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن بالليل: (سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته)[27].
وفي رواية الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما: (جاء رجل فقال: يا رسول الله .. رأيتني اليوم وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة فسجدت فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها تقول: اللهم اكتب لي بها أجرا وحط عني بها وزرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داوود .. قال ابن عباس: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سجدة فقال فيها مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي! يقول: يا ويلتا .. أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار)[28].
واعلم أن القراءة في المصحف أفضل من قراءته حفظا .. لأن النظر فيه عبادة مطلوبة .. وذلك بالنسبة للتأمل في المصحف)[29].
ويكره الآتي:
قطع القراءة لمكالمة أحد .. لأن كلام الله تعالى لا ينبغي أن يؤثر عليه كلام غيره.
والضحك والعبث والنظر إلى ما يلهي.
والتنكيس في القراءة بمعنى أن تقرأ مثلا سورة (ألم نشرح) قبل سورة (والضحى) وقد سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن رجل يفعل ذلك فقال: ذلك منكوس القلب.
والخلط بين سورة وسورة لا يجوز لأن ذلك ليس من آداب التلاوة، والأَولى أن يقرأ على ترتيب المصحف.
ولا يجوز قراءة القرآن بغير العربية مطلقا .. سواء أكان في الصلاة أو خارجها.
ولا تجوز القراءة بالشاذ .. نقل ابن عبد البر الإجماع على ذلك .. وهي القراءة التي لم يثبتها قرّاء الأمصار.. مثل ابن كثير قارئ مكة، ونافع قارئ المدينة .. ولذلك قالوا: أنها ليست قرآنا ولا تصح بها الصلاة.
ومثال هذه القراءة الشاذة: (فاليوم ننحيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية)[30] بالحاء بدلاً من الجيم .. كما قال ابن الجزري.
والأوقات المختارة للقراءة أفضلها: ما كان في الصلاة، ثم الليل ثم نصفه الأخير، وهي بين المغرب والعشاء محبوبة، وأفضل النهار بعد الصبح.
والمختار من الأيام: يوم عرفة، ثم يوم الجمعة، ثم يوم الاثنين والخميس.
ومن الأعشار: العشرة الأخيرة من رمضان، والأول من ذي الحجة.
ومن الشهور: رمضان.
والأفضل أن تبدأ قراءته يوم الجمعة وتختمه ليلة الخميس، فقد روي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يفعل ذلك.
والأفضل كذلك:ختمه أول النهار أو أول الليل .. قال في "الأحياء": (ويكون الختم في أول النهار في ركعتي الفجر، وأول الليل في ركعتي سنة المغرب).
ويسن صوم يوم الختم .. وأخرج الطبراني عن أنس أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا.
وحسبك تعبير الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى والذي إن تعمقت فيه لتبين لك بوضوح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مجرد مبعوث من قبل الله تعالى .. وإنما كان خبيرا ببواطن الأمور، وطبيبا ماهرا في معالجة أمراض القلوب التي إن صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد الجسد كله.
وذلك بالنسبة لداء الضحك الذي يعتبر من الأمراض الخبيثة التي إن أصيب القلب بها كان محروما من النور .. فقد ركز عليه الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه كما قال في حديث شريف: (استدراج من الشيطان واختداع من الهوى) .. وحسبك تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم منه في نص الوصية.
* ولما كان المزاح من أهم الأسباب المؤدية إلى كثرة الضحك .. كان لا بد وأن نشير إليه، ونحذر منه كذلك.. وحسبنا ما قاله عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه: (اتقوا المزاح فإنه حمقة تورث ضغينة).
وما قاله أحد الحكماء: (إنما المزاح سباب إلا أن صاحبه يضحك). وما قيل في منثور الحكم: (المزاح يأكل الهيبة كما تأكل النار الحطب) كما قيل: (من كثر مزاحه زالت هيبته) وقيل: (من قل عقله كثر هزله).
وقال سعيد بن العاص لابنه: (اقتصد في مزاحك فان الإفراط فيه يذهب البهاء ويجرئ عليك السفهاء).
هذا ولا مانع أن يكون هناك مزاح بريء ينفس عن النفس ما طرأ عليها من هم وملل .. فقد قيل: لابد للمصدور أن ينفس عن نفسه وإلا هلك .. وقد أنشد بعضهم في هذا المعنى المشار إليه:
أفد طبعك المكدود بالجد راحةولكن إذا أعطيته المزح فليكن
يجم وعلله بشيء من المزاحبمقدار ما يعطى الطعام من الملح
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إني لأمزح ولا أقول إلا حقا) ومن مزاحه صلى الله عليه وسلم:
أن عجوزا من الأنصار أتته فقالت: يا رسول الله .. ادع الله لي أن أدخل الجنة، فقال: (أما علمت أن الجنة لا يدخلها العجائز) ؟ فصرخت فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (أما قرأت من القرآن قول الله عز وجل: (إنا أنشأناهن إنشاءا، فجعلناهن أبكارا، عربا أترابا)[31].
وأتته أخرى في حاجة لزوجها فقال لها: (ومن زوجك) ؟ فقالت: فلان، فقال لها: (الذي في عينيه بياض) ؟ فقالت: لا .. فقال: (بلى ..) فانصرفت عجلى إلى زوجها وجعلت تتأمل عينيه. فقال لها: ما شأنك؟ فقالت: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في عينيك بياض .. فقال: أما ترين بياض عيني أكثر من سوادهما ؟[32]
واعلم أيها الأخ الكريم أن اعتياد الضحك شاغل عن النظر في الأمور المهمة، مذهل عن الفكر في النوائب الملمة، وليس لمن أكثر منه هيبة ولا وقار، ولا لمن وسم به خطر ولا مقدار .. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من كثر ضحكه قلت هيبته) وقال علي رضي الله عنه: "إذا ضحك العالم ضحكة مج من العلم مجه" .. ولتكن دعابتك تبسما.. وهذا أبلغ في الإيناس من الضحك الذي قد يكون استهزاء وتعجبا.
وكن مقتديا برسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى تبدو نواجذه .. كما ثبت في بعض الأحاديث الشريفة.
* وعليك بالجهاد .. فهو خير لك من الدنيا وما فيها، وحسبك حديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه الذي يقول فيه: (لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها)[33] .. وهو من أفضل الأعمال .. فقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: (إيمان بالله ورسوله) قيل: ثم ماذا ؟ قال: (الجهاد في سبيل الله) .. قيل: ثم ماذا ؟ قال: (حج مبرور)[34].
وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله)[35] وهذا هو معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فإنه رهبانية أمتي) كما جاء في نص الوصية.
وحسب المجاهد في سبيل الله أنه بجهاده يكون قد تعاقد مع الله سبحانه وتعالى الذي يقول في كتابه العزيز:
(إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم)[36].
ويكون قد تاجر مع الله تعالى الذي يقول: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن، ذلك الفوز العظيم، وأخرى تحبونها، نصر من الله وفتح قريب، وبشر المؤمنين)[37].
" واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا)[38].
* (وأحب المساكين وجالسهم):
وحسبك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين)[39].
وكان سيدنا سليمان على نبينا وعليهما الصلاة والسلام إذا دخل المسجد فرأى مسكينا جلس إليه، وقال: (مسكين جالس مسكيناً).
وقيل: كان سيدنا عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام يحب أن يقال له: (يا مسكين).
وقال موسى عليه الصلاة والسلام مناجيا ربه: (إلهي .. أين أبغيك) ؟ قال: (عند المنكسرة قلوبهم). وقال الفضيل: بلغني أن نبياً من الأنبياء قال: (يارب .. كيف لي أن أعلم رضاك عني) ؟ قال: (أنظر كيف رضا المساكين عنك).
فكن من الذين يحبون المساكين أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذكر من الأنبياء والصالحين، وكن محبا للمساكين (ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا)[40]، وكن رحيما باليتيم، واذكر قول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة) وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى[41].
وانظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك: حتى تكون راضيا بما قسم الله لك، وحتى تكون من أغنى الناس، واذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس).
وقد ورد في الحديث القدسي عن رب العزة:
(عبدي .. إن رضيت بما قسمته لك أرحت نفسك وبدنك وكنت عندي محمودا، وإن لم ترض بما قسمته لك سلطت عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البرية ولا ينالك منها إلا ما قسمته لك وكنت عندي مذموما).
* واحذر أن تنظر إلى من هو فوقك في الغنى المادي حتى لا تكون محتقراً لنعم الله عليك، حاقداً على من أنعم الله عليه، وانظر إلى من هو أدنى منك مالا حتى تكون شاكراً نعمة الله تعالى الذي يقول: (لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)[42].
وانظر إلى من هو فوقك في العلم واغبطه على ذلك (وقل رب زدني علما)[43] فهذا حسد محمود.
واعلم أنه بشكرك لله عز وجل على ما أعطاك، وبعدك عن الطمع كما نهاك، وطلبك للعلم كما أوصاك، ستكون من أهل الفلاح والنجاح، وستكون من (أولئك الذين هدى الله، فبهداهم اقتده)[44].
* (وقل الحق وان كان مراً، ولا تخف في الله لومة لائم):
حتى لا تكون من الذين لعنوا: (على لسان داوود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون)[45].
وحتى تكون من الذين: (يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون)[46].
(وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ... )[47].
و (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)[48].
واذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)[49].
(الدين النصيحة) .. قلنا: لمن يا رسول الله ؟ قال: (لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)[50].
(ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلى كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم أنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)[51].
(إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده)[52].
وفي الحديث القدسي: (يا ابن آدم .. لا تخف من سلطان ما دام سلطاني باقيا، وسلطاني لا ينفد أبدا .. يا ابن آدم لا تأنس بغيري وأنا لك، فإنك إن طلبتني وجدتني، وإن أنسبت بغيري فتك وفاتك الخير كله .. يا ابن آدم .. خلقتك للعبادة فلا تلعب، وقسمت لك رزقك فلا تتعب، إن كثر فلا تفرح، وإن قل فلا تجزع).
وفي حديث آخر: (أنا الله، لا إله إلا أنا، مالك الملك، وملك الملوك، قلوب الملوك كلها في يدي، وإن العباد إذا أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن العباد إذا عصوني حولت قلوبهم بالسخط والنقمة فساموهم سوء العذاب، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك، ولكن اشغلوا أنفسكم بالذكر والتقرب أكفكم ملوككم)[53].
ومن مواقف أهل الحق التي أرجو أن تنتفع بها هذين الموقفين:
كان أبو هريرة رضي الله عنه واليا على البحرين أثناء خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان قد جاء إلى المدينة ومعه عشرة آلاف درهم فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال يا عدو الله وعدو كتابه ؟ فقال أبو هريرة: لست بعدو الله ولا عدو كتابه ولكن عدو من عاداهما .. قال: فمن أين هي لك؟ فقال: خيل نتجت، وغلة رقيق لي، وأعطية تتابعت .. وبحث عمر الموضوع، وبعد أن تحقق من مصادر هذا المال أجازه له ثم دعاه بعد ذلك ليوليه إمارة فأبى .. فقال عمر: تكره العمل وقد طلبه خير منك: يوسف عليه السلام ؟ فرد أبو هريرة بقوله: يوسف نبي ابن نبي .. وأنا أبو هريرة ابن أميمه أخشى أن أقول بغير علم، وأن يضرب ظهري، وأن ينزع مالي، ويشتم عرضي.
ورأى أبو ذر الغفاري رضي الله عنه معاوية يوما وقد أنفق مالا كثيرا فقال له: إن كان هذا من بيت مال المسلمين فأنت خائن (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين)[54] وإن كان مال من مالك فأنت مسرف والله (لا يحب المسرفين)[55].
فكن من أهل الحق والداعين إليه والمدافعين عنه والمناصرين له.
* (ثم كن مشغولا بعيوبك عن عيوب الناس):
وهذا هو ما يعنيه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (ليردك عن الناس ما تعلمه من نفسك).
وحسبك أن تفكر في أخطائك الكثيرة التي ربما لا تحصى ولا تعد، والتي لو يؤاخذك الله بها لخسف بك الأرض، ولكن يؤخرك ليوم تشخص فيه الأبصار، عسى أن تتوب إليه وتصطلح معه، وتندم على ما كان منك من أخطاء.
واعلم أنه سبحانه وتعالى غفور رحيم، أحن على عبده من الوالدة على ولدها، وأنه سبحانه (يغفر الذنوب جميعا)[56] وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تاب العبد أنسى الله الحفظة ذنوبه، وأنسى ذلك جوارحه ومعالمه من الأرض حتى يلقى الله وليس عليه شاهد بذنب)[57].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول لأصحابه كما ورد في حديث رواه أبو هريرة: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)[58].
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: (رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم)[59].
واعلم أن التوبة واجبة من كل ذنب بدليل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا)[60].
مع ملاحظة أنه إذا كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى ولا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:
1ـ أن يقلع عن المعصية.
2ـ أن يندم على فعلها.
3ـ أن يعزم على أن لا يعود إليها أبدا.
فإذا فقد أحد الثلاثة لا تقبل توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة السابقة، وأن يبرأ من حق صاحبها.
فإن كان مالا أو نحوه رده إليه، وإن كان حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها.
ويجب أن يتوب من جميع الذنوب .. فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب وبقي عليه الباقي.
فيا أيها المغرور قم وانتبهإن كنت أذنبت فقم واعتذروانهض إلى مولى عظيم الرجا
قد فاتك المطلوب والركب سارإلى كريم يقبل الاعتذاريغفر بالليل ذنوب النهار
ومن أجمل ما قرأت في هذا:
أن لصا دخل بيت رابعة العدوية ليلا لكي يسرقه .. فلم يجد فيه غير إبريق فيه ماء .. فلما أراد الخروج قالت له عندما رأته يتسلل إلى الباب: يا هذا .. إن كنت من الأذكياء فلا تخرج بغير شيء .. فقال اللص: إني لم آخذ شيئاً. فقالت له: يا مسكين .. توضأ بهذا الإبريق وادخل في هذه الحجرة وصل ركعتين فإنك ما تخرج إلا بشيء.
ففعل اللص ما أمرته به .. فلما قام يصلي رفعت رابعة بصرها إلى السماء وقالت: سيدي ومولاي .. هذا أتى بابي فلم يجد شيئاً عندي وقد أوقفته ببابك فلا تحرمه من فضلك وثوابك ..
فلما فرغ اللص من صلاة الركعتين لذت له العبادة .. فما برح يصلي إلى آخر الليل .. فلما كان وقت السحر دخلت عليه رابعة فوجدته ساجداً وهو يقول في سجوده معاتباً نفسه:
إذا ما قال لي ربي وتخفي الذنب من خلقيفما قولي له لما
أما استحييت تعصيني وبالعصيان تأتيني يعاتبني ويقصيني
فلما انتهى الرجل من ليلته قالت له: كيف ليلتك؟ فقال: بخير. وقفت بين يدي مولاي بذلي وافتقاري .. فقبل عذري، وجبر كسري، وغفر ذنبي، وبلغني المطلوب .. ثم انطلق هائماً على وجهه.
فرفعت رابعة كفها إلى السماء وقالت: سيدي ومولاي .. هذا وقف ببابك ساعة فقبلته، وأنا قد عرفتك بين يديك أتراك قبلتني ؟
* واعلم انه لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق ..
وإذا كان التدبير في الأمر كما يقول علماء اللغة: هو النظر إلى ما تؤول إليه فالعاقل من فكر في الأمر قبل أن يفعل ما لا يحمد عقباه .. فكم من الناس هلكوا بسبب حماقتهم .. لأنهم يضعون الأمور في غير موضعها، ويتصرفون بدون تفكير وطول نظر .. وذلك لفساد عقولهم.
قال الأصمعي: قلت لغلام من أبناء العرب: أيسرك أن يكون لك مائة ألف درهم وأنك أحمق؟ قال: لا والله .. قلت: ولم ؟ قال: أخاف أن يجني عليّ حمقي جناية فيذهب مالي ويبقى عليّ حمقي.
وقال لقمان لابنه: لا تعاشر الأحمق وإن كان ذا جمال .. فإنه كالسيف حسن مظهره، قبيح أثره.
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها
وكف أذاك عن المسلمين حتى تكون مسلما .. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ..)[61].
ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث من لم تكن فيه واحدة منهن فلا تعتدّوا بشيء من عمله .. تقوى تحجزه عن معاصي الله عز وجل، وحلم يكف به السفيه، وخلق يعيش به في الناس)[62] .. فتمتع بهذه الصفات حتى تكون من أهل الورع وحتى تنجو (يوم يعض الظالم على يديه)[63].
وحسن خلقك فهو حسبك ونسبك، وبه يكمل إيمانك .. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل: أي المؤمنين أكمل إيماناً ؟ قال: (أحسنهم خلقا)[64].
وقال: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، وفي رواية: (إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجات قائم الليل وصائم النهار).
وتذكر دائماً وأبداً أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وأنه صلى الله عليه وسلم كان على خلق عظيم .. ولهذا كان قدوة صالحة، وأسوة حسنة لمن أراد الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا .. فكن من المقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم تكن من الفائزين فوزا عظيما .. وحسبك هذه الأقوال المأثورة:
(الحسن الخلق من نفسه منه في راحة، والناس منه في سلامة، والسيئ الخلق الناس منه في بلاء، وهو من نفسه في عناء).
(أن الله تعالى جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلا بينه وبينكم فحسب الرجل أن يتصل من الله تعالى بخلق منها).
(والفضل بالعقل والأدب لا بالأصل والحسب، لأن من ساء أدبه ضاع نسبه ومن ضل عقله ضل أصله).
***
[1] من حديث رواه مسلم .
[2] آل عمران 120 .
[3] النحل 128 .
[4] الطلاق2-3 .
[5] الأحزاب 70-71 .
[6] الحديد 28 .
[7] آل عمران 76.
[8] الحجرات 13.
[9] يونس 63،64.
[10] مريم 72.
[11] آل عمران 133.
[12] آل عمران 134-136.
[13] فصلت 42.
[14] الجن 1-2 .
[15] أخرجه الترمذي.
[16] رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
[17] أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد وقال: حسن غريب.
[18] أخرجه مسلم.
[19] أخرجه البيهقي من حديث عائشة.
[20] أخرجه البيهقي من حديث أنس.
[21] وهو شارب الخمر أو آكل الميتة أو لحم الخنزير.
[22] ورد في هذا المعنى حديث صحيح.
[23] المزمل 4.
[24] سورة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ 24.
[25] الإسراء 109.
[26] رواه أبو داوود والنسائي وابن ماجة وهو حديث حسن أو صحيح.
[27] أخرجه أصحاب السنن.
[28] أخرجه مسلم.
[29] أما بالنسبة لحفظ القرآن فقد ورد فيه حديث رواه الترمذي وحسنه ابن خزيمة والحاكم وقال: صحيح الإسناد. يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول القرآن: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب أرض عنه فيرضى عنه، فيقول له: اقرأ وارق ويزداد بكل آية حسنة) وفي حديث قدسي رواه أبو نعيم عن أبي سعيد: (يقول الله تعالى يوم القيامة: أين جيراني؟ فتقول الملائكة: من هذا الذي ينبغي له أن يجاورك؟ فيقول: أين قراء القرآن وعمار المساجد؟.
[30] يونس 92 بلفظ: (ننجيك).
[31] الواقعة 35، 37 .
[32] أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث عبادة بن سهم الفهري.
[33] رواه البخاري ومسلم عن أنس.
[34] رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
[35] أخرجه البخاري ومسلم.
[36] التوبة 111 .
[37] الصف 10- 13 .
[38] من حديث صحيح.
[39] رواه ابن ماجه والحاكم وأخرجه الترمذي عن أنس بإسناد ضعيف.
[40] الكهف 28 .
[41] رواه البخاري.
[42] ابراهيم 7 .
[43] طه 114 .
[44] الأنعام 90 .
[45] المائدة 78،79 .
[46] آل عمران 104 .
[47] طه 132 .
[48] النحل 125 .
[49] رواه مسلم.
[50] رواه مسلم .
[51] رواه مسلم .
[52] رواه أبو داوود والترمذي وقال: حسن صحيح.
[53] رواه الطبراني في الأوسط عن أبي الدرداء.
[54] يوسف 52 .
[55] الأعراف 31 .
[56] الزمر 53 .
[57] رواه الأصبهاني بسند ضعيف .
[58] رواه البخاري.
[59] رواه أبو داوود والترمذي وهو حسن صحيح .
[60] التحريم 8 .
[61] رواه البخاري ومسلم .
[62] رواه الطبراني وأبو داوود والترمذي عن أبي هريرة وقال: حسن صحيح.
[63] الفرقان 27 بلفظ " ويوم " .
[64] رواه أبو داوود وابن ماجه باللفظ الأول والرواية أخرجها الحاكم وقال صحيح على شرطها
(كانت أمثالا كلها .. أيها الملك المتسلط المبتلى المغرور: إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها على بعض، ولكني بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني لا أردها وإن كانت من كافر. وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له ساعات: فساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يتفكر فيها في صنع الله عز وجل، وساعة يخلو فيها لحاجته من المطعم والمشرب.
وعلى العاقل أن لا يكون ظاعنا إلا لثلاث: تزود لمعاد، أو مرمة لمعاش، أو لذة في غير محرم. وعلى العاقل: أن يكون بصيراً بزمانه، مقبلاً على شأنه، وحافظاً للسانه، ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه).
قلت: يا رسول الله .. فما كانت صحف موسى عليه السلام ؟ قال: (كانت عبراً كلها : عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح، عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب، عجبت لمن رأى الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها، عجبت لمن أيقن بالحساب غداً ثم لا يعمل).
قلت: يا رسول الله .. أوصني، قال: (أوصيك بتقوى الله فإنها رأس الأمر كله) .
قلت: يا رسول الله .. زدني، قال: (عليك بتلاوة القرآن وذكر الله عز وجل، فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء) .
قلت: يا رسول الله .. زدني، قال: (إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب، ويذهب بنور الوجه).
قلت: يا رسول الله .. زدني، قال: (عليك بالجهاد فإنه رهبانية أمتي).
قلت: يا رسول الله، زدني، قال: (أحب المساكين وجالسهم) .
قلت: يا رسول الله، زدني، قال: انظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك فإنه أجدر أن لا تزدري نعمة الله عليك).
قلت: يا رسول الله زدني، قال: قل الحق وإن كان مرا).
قلت: يا رسول الله زدني، قال: ليردك عن الناس ما تعلمه من نفسك ولا تجد عليهم فيما تأتي، وكفى بك عيباً أن تعرف من الناس ما تجهله من نفسك وتجد عليهم فيما تأتي).
ثم ضرب بيده على صدري فقال: (يا أبا ذر: لا عقل كالتدبير ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق). "رواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم، وقال: صحيح الإسناد).
***
فكن أخا الإسلام:
شبيها بأبي ذر رضي الله عنه في حبه للعلم، وحرصه على طلبه، ولا سيما إذا كان من أستاذ البشرية جمعاء صلوات الله وسلامه عليه، الذي أحبه أكثر من نفسه، بل ومن كل شيء في هذا الملكوت الذي يعيش فيه.
وهو هنا في هذه الوصية يسأل أستاذه المصطفى صلى الله عليه وسلم عن صحف إبراهيم وموسى على نبينا وعليهما الصلاة والسلام .. فيخبره صلى الله عليه وسلم أنها كانت أمثالاً وعبراً كلها .. ثم يذكر له بعض هذه الأمثال والعبر التي إن تعمقنا فيها وحققنا مغزاها لكانت مشعلاً مضيئاً لنا على طريق الفلاح والوصول إلى الله تعالى .
ثم كانت هذه الوصايا العظيمة التي زوده الرسول صلى الله عليه وسلم بها تلبية لرغبته عندما قال له: يا رسول الله أوصني .. فقال له صلوات الله وسلامه عليه :
*( أوصيك بتقوى الله فإنها رأس الأمر كله ):
وحسب العاقل أن يفهم هذا المعنى الكبير الذي ركز الرسول صلى الله عليه وسلم عليه .. وهو أن التقوى بالنسبة للعبادة كالرأس بالنسبة للجسد .. فكما أنه لا حياة للإنسان بدون رأس.. كذلك لا معنى للعبادة بدون تقوى..
وهي كما وصفها علي رضي الله عنه: "الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والاستعداد ليوم الرحيل، والرضا بالقليل".
وهي .. المحافظة على آداب الشريعة.
وهي .. مجانبة كل شيء يبعدك عن الله .
وهي .. أن لا يراك الله حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك.
وخلاصة معناها كما أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)[1].
والمتقون في هذه الدنيا كما وصفهم على رضى الله تعالى عنه: "هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم، لا يرضون من أعمالهم القليل، ولا يستكثرون الكثير، فهم لأنفسهم متهمون، ومن أعمالهم مشفقون.. ومن علامة أحدهم أنك ترى له قوة في دين، وحزماً في لين، وإيماناً في يقين، وحرصاً في علم، وعلماً في حلم، وقصداً في غنى، وخشوعاً في عبادة، وتجملاً في فاقة، وصبراً في شدة، وطلباً في حلال، ونشاطاً في هدى، وتحرجاً عن طمع، يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجل، يمسي وهمه الشكر، ويصبح وهمه الذكر، يمزج الحلم بالعلم، والقول بالعمل" .
ولهذا .. ومن أجل هذه الصفات العظيمة، إذا قرأنا كتاب الله تعالى سنجد أنه سبحانه وتعالى قد وعد المتقين بكل فلاح ونجاح:
وعدهم بالحفظ والحراسة من الأعداء فقال: (وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً)[2].
ووعدهم بالنصر والتأييد، فقال: (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون)[3] .
ووعدهم بالنجاة من الشدائد والرزق الحلال، فقال: (ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب)[4].
ووعدهم بإصلاح العمل وغفران الذنوب، فقال: ( اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً. يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم)[5].
ووعدهم بنور يمشون به، فقال: (اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نوراً تمشون به)[6] .
ووعدهم بمحبته فقال: (... فإن الله يحب المتقين)[7] .
ووعدهم بالإكرام، فقال: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)[8].
ووعدهم بالبشرى في الدنيا والآخرة، فقال: (الذين آمنوا وكانوا يتقون. لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة)[9].
ووعدهم بالنجاة من النار، فقال: (ثم ننجي الذين اتقوا)[10].
ووعدهم بالخلود في الجنة، فقال: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين)[11].
وهم كما تحدث الله تعالى عنهم بعد ذلك بقوله: (الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس، والله يحب المحسنين. والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم، ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، ونعم أجر العاملين)[12].
فكن منهم حتى تفوز معهم بكل هذه الامتيازات العظيمة:
ولا تمش إلا مع رجال قلوبهم
تحن إلى التقوى وترتاح للذكر
* (وعليك بتلاوة القرآن وذكر الله فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء):
وحسبك هذا المعنى المحمدي الذي يحتاج إلى عمق في التفكير والفهم السليم.
واعلم أن القرآن فضلاً عن أنه كلام الله الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد)[13] هو آية الله الكبرى، وحجته الخالدة، والرسول الأمين، والواعظ الناطق، والبرهان القاطع، والعقيدة الثابتة، والآية الساطعة.
وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال في حديثه عنه وعن فضله:
(.. فيه نبأ من قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: "إنا سمعنا قرآنا عجبا، يهدي إلى الرشد"[14].. من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعى إليه هدي إلى صراط مستقيم)[15].
ولهذا أوصى الرسول صلى الله عليه وسلم بتلاوة القرآن، وحث على ذلك فقال: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف)[16].
وقال: (يقول الرب سبحانه وتعالى: "من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين .." وفضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على سائر خلقه)[17].
وقال: (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه)[18].
وقال: (البيت الذي يقرأ فيه القرآن يتراءى لأهل السماء كما تتراءى النجوم لأهل الأرض)[19].
وقال: (نوروا منازلكم بالصلاة وتلاوة القرآن)[20].
هذا وللتلاوة آداب منها:
أنه يستحب الوضوء لقراءة القرآن .. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يذكر الله إلا على طهر، وأما الجنب والحائض فتحرم عليهما القراءة وإن كان يجوز لهما النظر في المصحف.
وأما متنجس[21] فتكره له القراءة، وقيل: يحرم لمس المصحف باليد النجسة.
وتسن القراءة في مكان نظيف وأفضله المسجد.
ويستحب أن يجلس القارئ مستقبلا القبلة، متخشعاً بسكينة ووقار، مطرقاً رأسه.
ويسن أن يستاك القارئ تعظيما وتطهيراً.
ويسن التعوذ قبل القراءة.
وأن يحافظ على قراءة البسملة أول كل سورة غير سورة براء، كما يستحب ذلك إذا قرأ من أثناء السورة.
ويسن الترتيل في قراءة القرآن .. وقد كانت قراءة الرسول صلى الله عليه وسلم مفسرة حرفاً حرفاً[22] قال تعالى: (ورتل القرآن ترتيلا)[23].
وتسن القراءة بالتدبر والتفهم .. فهو المقصود الأعظم، والمطلوب الأهم، وبه تنشرح الصدور، وتستنير القلوب .. قال تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)[24].
ويستحب البكاء عند قراءة القرآن والتباكي لمن لا يقدر على البكاء مع الحزن والخشوع، قال تعالى: (ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا)[25].
ويسن تحسين الصوت بالقراءة تزيينها .. ففي الحديث: (زينوا القرآن بأصواتكم)[26].
ويسن الاستماع لقراءة القرآن وترك اللغط والحديث بحضور القراءة.
ويسن السجود عند قراءة آية السجدة وهي أربع عشرة: في الأعراف، والرعد، والفرقان، والنمل، والسجدة، وفصلت، والنجم، والنحل، والإسراء، ومريم، وفي الحج سجدتان، والانشقاق، والعلق، وأما سورة ص فمستحبة وليست من عزائم السجود أي متأكداته، وزاد بعضهم آخر سورة الحجر.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في سجود القرآن بالليل: (سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته)[27].
وفي رواية الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما: (جاء رجل فقال: يا رسول الله .. رأيتني اليوم وأنا نائم كأني أصلي خلف شجرة فسجدت فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها تقول: اللهم اكتب لي بها أجرا وحط عني بها وزرا واجعلها لي عندك ذخرا وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داوود .. قال ابن عباس: فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سجدة فقال فيها مثل ما أخبره الرجل عن قول الشجرة).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي! يقول: يا ويلتا .. أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار)[28].
واعلم أن القراءة في المصحف أفضل من قراءته حفظا .. لأن النظر فيه عبادة مطلوبة .. وذلك بالنسبة للتأمل في المصحف)[29].
ويكره الآتي:
قطع القراءة لمكالمة أحد .. لأن كلام الله تعالى لا ينبغي أن يؤثر عليه كلام غيره.
والضحك والعبث والنظر إلى ما يلهي.
والتنكيس في القراءة بمعنى أن تقرأ مثلا سورة (ألم نشرح) قبل سورة (والضحى) وقد سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن رجل يفعل ذلك فقال: ذلك منكوس القلب.
والخلط بين سورة وسورة لا يجوز لأن ذلك ليس من آداب التلاوة، والأَولى أن يقرأ على ترتيب المصحف.
ولا يجوز قراءة القرآن بغير العربية مطلقا .. سواء أكان في الصلاة أو خارجها.
ولا تجوز القراءة بالشاذ .. نقل ابن عبد البر الإجماع على ذلك .. وهي القراءة التي لم يثبتها قرّاء الأمصار.. مثل ابن كثير قارئ مكة، ونافع قارئ المدينة .. ولذلك قالوا: أنها ليست قرآنا ولا تصح بها الصلاة.
ومثال هذه القراءة الشاذة: (فاليوم ننحيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية)[30] بالحاء بدلاً من الجيم .. كما قال ابن الجزري.
والأوقات المختارة للقراءة أفضلها: ما كان في الصلاة، ثم الليل ثم نصفه الأخير، وهي بين المغرب والعشاء محبوبة، وأفضل النهار بعد الصبح.
والمختار من الأيام: يوم عرفة، ثم يوم الجمعة، ثم يوم الاثنين والخميس.
ومن الأعشار: العشرة الأخيرة من رمضان، والأول من ذي الحجة.
ومن الشهور: رمضان.
والأفضل أن تبدأ قراءته يوم الجمعة وتختمه ليلة الخميس، فقد روي أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يفعل ذلك.
والأفضل كذلك:ختمه أول النهار أو أول الليل .. قال في "الأحياء": (ويكون الختم في أول النهار في ركعتي الفجر، وأول الليل في ركعتي سنة المغرب).
ويسن صوم يوم الختم .. وأخرج الطبراني عن أنس أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا.
وحسبك تعبير الرسول صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى والذي إن تعمقت فيه لتبين لك بوضوح أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مجرد مبعوث من قبل الله تعالى .. وإنما كان خبيرا ببواطن الأمور، وطبيبا ماهرا في معالجة أمراض القلوب التي إن صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد الجسد كله.
وذلك بالنسبة لداء الضحك الذي يعتبر من الأمراض الخبيثة التي إن أصيب القلب بها كان محروما من النور .. فقد ركز عليه الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه كما قال في حديث شريف: (استدراج من الشيطان واختداع من الهوى) .. وحسبك تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم منه في نص الوصية.
* ولما كان المزاح من أهم الأسباب المؤدية إلى كثرة الضحك .. كان لا بد وأن نشير إليه، ونحذر منه كذلك.. وحسبنا ما قاله عمر ابن عبد العزيز رضي الله عنه: (اتقوا المزاح فإنه حمقة تورث ضغينة).
وما قاله أحد الحكماء: (إنما المزاح سباب إلا أن صاحبه يضحك). وما قيل في منثور الحكم: (المزاح يأكل الهيبة كما تأكل النار الحطب) كما قيل: (من كثر مزاحه زالت هيبته) وقيل: (من قل عقله كثر هزله).
وقال سعيد بن العاص لابنه: (اقتصد في مزاحك فان الإفراط فيه يذهب البهاء ويجرئ عليك السفهاء).
هذا ولا مانع أن يكون هناك مزاح بريء ينفس عن النفس ما طرأ عليها من هم وملل .. فقد قيل: لابد للمصدور أن ينفس عن نفسه وإلا هلك .. وقد أنشد بعضهم في هذا المعنى المشار إليه:
أفد طبعك المكدود بالجد راحةولكن إذا أعطيته المزح فليكن
يجم وعلله بشيء من المزاحبمقدار ما يعطى الطعام من الملح
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إني لأمزح ولا أقول إلا حقا) ومن مزاحه صلى الله عليه وسلم:
أن عجوزا من الأنصار أتته فقالت: يا رسول الله .. ادع الله لي أن أدخل الجنة، فقال: (أما علمت أن الجنة لا يدخلها العجائز) ؟ فصرخت فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (أما قرأت من القرآن قول الله عز وجل: (إنا أنشأناهن إنشاءا، فجعلناهن أبكارا، عربا أترابا)[31].
وأتته أخرى في حاجة لزوجها فقال لها: (ومن زوجك) ؟ فقالت: فلان، فقال لها: (الذي في عينيه بياض) ؟ فقالت: لا .. فقال: (بلى ..) فانصرفت عجلى إلى زوجها وجعلت تتأمل عينيه. فقال لها: ما شأنك؟ فقالت: أخبرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن في عينيك بياض .. فقال: أما ترين بياض عيني أكثر من سوادهما ؟[32]
واعلم أيها الأخ الكريم أن اعتياد الضحك شاغل عن النظر في الأمور المهمة، مذهل عن الفكر في النوائب الملمة، وليس لمن أكثر منه هيبة ولا وقار، ولا لمن وسم به خطر ولا مقدار .. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من كثر ضحكه قلت هيبته) وقال علي رضي الله عنه: "إذا ضحك العالم ضحكة مج من العلم مجه" .. ولتكن دعابتك تبسما.. وهذا أبلغ في الإيناس من الضحك الذي قد يكون استهزاء وتعجبا.
وكن مقتديا برسول الله صلى الله عليه وسلم .. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم حتى تبدو نواجذه .. كما ثبت في بعض الأحاديث الشريفة.
* وعليك بالجهاد .. فهو خير لك من الدنيا وما فيها، وحسبك حديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه الذي يقول فيه: (لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها)[33] .. وهو من أفضل الأعمال .. فقد سئل الرسول صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: (إيمان بالله ورسوله) قيل: ثم ماذا ؟ قال: (الجهاد في سبيل الله) .. قيل: ثم ماذا ؟ قال: (حج مبرور)[34].
وقال صلى الله عليه وسلم: (مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله)[35] وهذا هو معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فإنه رهبانية أمتي) كما جاء في نص الوصية.
وحسب المجاهد في سبيل الله أنه بجهاده يكون قد تعاقد مع الله سبحانه وتعالى الذي يقول في كتابه العزيز:
(إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن، ومن أوفى بعهده من الله، فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به، وذلك هو الفوز العظيم)[36].
ويكون قد تاجر مع الله تعالى الذي يقول: (يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن، ذلك الفوز العظيم، وأخرى تحبونها، نصر من الله وفتح قريب، وبشر المؤمنين)[37].
" واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا)[38].
* (وأحب المساكين وجالسهم):
وحسبك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين)[39].
وكان سيدنا سليمان على نبينا وعليهما الصلاة والسلام إذا دخل المسجد فرأى مسكينا جلس إليه، وقال: (مسكين جالس مسكيناً).
وقيل: كان سيدنا عيسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام يحب أن يقال له: (يا مسكين).
وقال موسى عليه الصلاة والسلام مناجيا ربه: (إلهي .. أين أبغيك) ؟ قال: (عند المنكسرة قلوبهم). وقال الفضيل: بلغني أن نبياً من الأنبياء قال: (يارب .. كيف لي أن أعلم رضاك عني) ؟ قال: (أنظر كيف رضا المساكين عنك).
فكن من الذين يحبون المساكين أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم ومن ذكر من الأنبياء والصالحين، وكن محبا للمساكين (ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا)[40]، وكن رحيما باليتيم، واذكر قول الرسول صلوات الله وسلامه عليه: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة) وأشار بإصبعيه السبابة والوسطى[41].
وانظر إلى من هو تحتك ولا تنظر إلى من هو فوقك: حتى تكون راضيا بما قسم الله لك، وحتى تكون من أغنى الناس، واذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس).
وقد ورد في الحديث القدسي عن رب العزة:
(عبدي .. إن رضيت بما قسمته لك أرحت نفسك وبدنك وكنت عندي محمودا، وإن لم ترض بما قسمته لك سلطت عليك الدنيا تركض فيها ركض الوحوش في البرية ولا ينالك منها إلا ما قسمته لك وكنت عندي مذموما).
* واحذر أن تنظر إلى من هو فوقك في الغنى المادي حتى لا تكون محتقراً لنعم الله عليك، حاقداً على من أنعم الله عليه، وانظر إلى من هو أدنى منك مالا حتى تكون شاكراً نعمة الله تعالى الذي يقول: (لئن شكرتم لأزيدنكم، ولئن كفرتم إن عذابي لشديد)[42].
وانظر إلى من هو فوقك في العلم واغبطه على ذلك (وقل رب زدني علما)[43] فهذا حسد محمود.
واعلم أنه بشكرك لله عز وجل على ما أعطاك، وبعدك عن الطمع كما نهاك، وطلبك للعلم كما أوصاك، ستكون من أهل الفلاح والنجاح، وستكون من (أولئك الذين هدى الله، فبهداهم اقتده)[44].
* (وقل الحق وان كان مراً، ولا تخف في الله لومة لائم):
حتى لا تكون من الذين لعنوا: (على لسان داوود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون)[45].
وحتى تكون من الذين: (يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وأولئك هم المفلحون)[46].
(وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ... )[47].
و (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)[48].
واذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)[49].
(الدين النصيحة) .. قلنا: لمن يا رسول الله ؟ قال: (لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)[50].
(ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلى كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم أنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)[51].
(إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده)[52].
وفي الحديث القدسي: (يا ابن آدم .. لا تخف من سلطان ما دام سلطاني باقيا، وسلطاني لا ينفد أبدا .. يا ابن آدم لا تأنس بغيري وأنا لك، فإنك إن طلبتني وجدتني، وإن أنسبت بغيري فتك وفاتك الخير كله .. يا ابن آدم .. خلقتك للعبادة فلا تلعب، وقسمت لك رزقك فلا تتعب، إن كثر فلا تفرح، وإن قل فلا تجزع).
وفي حديث آخر: (أنا الله، لا إله إلا أنا، مالك الملك، وملك الملوك، قلوب الملوك كلها في يدي، وإن العباد إذا أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن العباد إذا عصوني حولت قلوبهم بالسخط والنقمة فساموهم سوء العذاب، فلا تشغلوا أنفسكم بالدعاء على الملوك، ولكن اشغلوا أنفسكم بالذكر والتقرب أكفكم ملوككم)[53].
ومن مواقف أهل الحق التي أرجو أن تنتفع بها هذين الموقفين:
كان أبو هريرة رضي الله عنه واليا على البحرين أثناء خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان قد جاء إلى المدينة ومعه عشرة آلاف درهم فقال له عمر: استأثرت بهذه الأموال يا عدو الله وعدو كتابه ؟ فقال أبو هريرة: لست بعدو الله ولا عدو كتابه ولكن عدو من عاداهما .. قال: فمن أين هي لك؟ فقال: خيل نتجت، وغلة رقيق لي، وأعطية تتابعت .. وبحث عمر الموضوع، وبعد أن تحقق من مصادر هذا المال أجازه له ثم دعاه بعد ذلك ليوليه إمارة فأبى .. فقال عمر: تكره العمل وقد طلبه خير منك: يوسف عليه السلام ؟ فرد أبو هريرة بقوله: يوسف نبي ابن نبي .. وأنا أبو هريرة ابن أميمه أخشى أن أقول بغير علم، وأن يضرب ظهري، وأن ينزع مالي، ويشتم عرضي.
ورأى أبو ذر الغفاري رضي الله عنه معاوية يوما وقد أنفق مالا كثيرا فقال له: إن كان هذا من بيت مال المسلمين فأنت خائن (وأن الله لا يهدي كيد الخائنين)[54] وإن كان مال من مالك فأنت مسرف والله (لا يحب المسرفين)[55].
فكن من أهل الحق والداعين إليه والمدافعين عنه والمناصرين له.
* (ثم كن مشغولا بعيوبك عن عيوب الناس):
وهذا هو ما يعنيه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: (ليردك عن الناس ما تعلمه من نفسك).
وحسبك أن تفكر في أخطائك الكثيرة التي ربما لا تحصى ولا تعد، والتي لو يؤاخذك الله بها لخسف بك الأرض، ولكن يؤخرك ليوم تشخص فيه الأبصار، عسى أن تتوب إليه وتصطلح معه، وتندم على ما كان منك من أخطاء.
واعلم أنه سبحانه وتعالى غفور رحيم، أحن على عبده من الوالدة على ولدها، وأنه سبحانه (يغفر الذنوب جميعا)[56] وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تاب العبد أنسى الله الحفظة ذنوبه، وأنسى ذلك جوارحه ومعالمه من الأرض حتى يلقى الله وليس عليه شاهد بذنب)[57].
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر يقول لأصحابه كما ورد في حديث رواه أبو هريرة: (والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)[58].
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه قال: كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المجلس الواحد مائة مرة: (رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم)[59].
واعلم أن التوبة واجبة من كل ذنب بدليل قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا)[60].
مع ملاحظة أنه إذا كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى ولا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط:
1ـ أن يقلع عن المعصية.
2ـ أن يندم على فعلها.
3ـ أن يعزم على أن لا يعود إليها أبدا.
فإذا فقد أحد الثلاثة لا تقبل توبته.
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة: هذه الثلاثة السابقة، وأن يبرأ من حق صاحبها.
فإن كان مالا أو نحوه رده إليه، وإن كان حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه، وإن كانت غيبة استحله منها.
ويجب أن يتوب من جميع الذنوب .. فإن تاب من بعضها صحت توبته عند أهل الحق من ذلك الذنب وبقي عليه الباقي.
فيا أيها المغرور قم وانتبهإن كنت أذنبت فقم واعتذروانهض إلى مولى عظيم الرجا
قد فاتك المطلوب والركب سارإلى كريم يقبل الاعتذاريغفر بالليل ذنوب النهار
ومن أجمل ما قرأت في هذا:
أن لصا دخل بيت رابعة العدوية ليلا لكي يسرقه .. فلم يجد فيه غير إبريق فيه ماء .. فلما أراد الخروج قالت له عندما رأته يتسلل إلى الباب: يا هذا .. إن كنت من الأذكياء فلا تخرج بغير شيء .. فقال اللص: إني لم آخذ شيئاً. فقالت له: يا مسكين .. توضأ بهذا الإبريق وادخل في هذه الحجرة وصل ركعتين فإنك ما تخرج إلا بشيء.
ففعل اللص ما أمرته به .. فلما قام يصلي رفعت رابعة بصرها إلى السماء وقالت: سيدي ومولاي .. هذا أتى بابي فلم يجد شيئاً عندي وقد أوقفته ببابك فلا تحرمه من فضلك وثوابك ..
فلما فرغ اللص من صلاة الركعتين لذت له العبادة .. فما برح يصلي إلى آخر الليل .. فلما كان وقت السحر دخلت عليه رابعة فوجدته ساجداً وهو يقول في سجوده معاتباً نفسه:
إذا ما قال لي ربي وتخفي الذنب من خلقيفما قولي له لما
أما استحييت تعصيني وبالعصيان تأتيني يعاتبني ويقصيني
فلما انتهى الرجل من ليلته قالت له: كيف ليلتك؟ فقال: بخير. وقفت بين يدي مولاي بذلي وافتقاري .. فقبل عذري، وجبر كسري، وغفر ذنبي، وبلغني المطلوب .. ثم انطلق هائماً على وجهه.
فرفعت رابعة كفها إلى السماء وقالت: سيدي ومولاي .. هذا وقف ببابك ساعة فقبلته، وأنا قد عرفتك بين يديك أتراك قبلتني ؟
* واعلم انه لا عقل كالتدبير، ولا ورع كالكف، ولا حسب كحسن الخلق ..
وإذا كان التدبير في الأمر كما يقول علماء اللغة: هو النظر إلى ما تؤول إليه فالعاقل من فكر في الأمر قبل أن يفعل ما لا يحمد عقباه .. فكم من الناس هلكوا بسبب حماقتهم .. لأنهم يضعون الأمور في غير موضعها، ويتصرفون بدون تفكير وطول نظر .. وذلك لفساد عقولهم.
قال الأصمعي: قلت لغلام من أبناء العرب: أيسرك أن يكون لك مائة ألف درهم وأنك أحمق؟ قال: لا والله .. قلت: ولم ؟ قال: أخاف أن يجني عليّ حمقي جناية فيذهب مالي ويبقى عليّ حمقي.
وقال لقمان لابنه: لا تعاشر الأحمق وإن كان ذا جمال .. فإنه كالسيف حسن مظهره، قبيح أثره.
لكل داء دواء يستطب به إلا الحماقة أعيت من يداويها
وكف أذاك عن المسلمين حتى تكون مسلما .. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ..)[61].
ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث من لم تكن فيه واحدة منهن فلا تعتدّوا بشيء من عمله .. تقوى تحجزه عن معاصي الله عز وجل، وحلم يكف به السفيه، وخلق يعيش به في الناس)[62] .. فتمتع بهذه الصفات حتى تكون من أهل الورع وحتى تنجو (يوم يعض الظالم على يديه)[63].
وحسن خلقك فهو حسبك ونسبك، وبه يكمل إيمانك .. وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سئل: أي المؤمنين أكمل إيماناً ؟ قال: (أحسنهم خلقا)[64].
وقال: (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم)، وفي رواية: (إن المؤمن ليدرك بحسن الخلق درجات قائم الليل وصائم النهار).
وتذكر دائماً وأبداً أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ليتمم مكارم الأخلاق، وأنه صلى الله عليه وسلم كان على خلق عظيم .. ولهذا كان قدوة صالحة، وأسوة حسنة لمن أراد الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا .. فكن من المقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم تكن من الفائزين فوزا عظيما .. وحسبك هذه الأقوال المأثورة:
(الحسن الخلق من نفسه منه في راحة، والناس منه في سلامة، والسيئ الخلق الناس منه في بلاء، وهو من نفسه في عناء).
(أن الله تعالى جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلا بينه وبينكم فحسب الرجل أن يتصل من الله تعالى بخلق منها).
(والفضل بالعقل والأدب لا بالأصل والحسب، لأن من ساء أدبه ضاع نسبه ومن ضل عقله ضل أصله).
***
[1] من حديث رواه مسلم .
[2] آل عمران 120 .
[3] النحل 128 .
[4] الطلاق2-3 .
[5] الأحزاب 70-71 .
[6] الحديد 28 .
[7] آل عمران 76.
[8] الحجرات 13.
[9] يونس 63،64.
[10] مريم 72.
[11] آل عمران 133.
[12] آل عمران 134-136.
[13] فصلت 42.
[14] الجن 1-2 .
[15] أخرجه الترمذي.
[16] رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
[17] أخرجه الترمذي من حديث أبي سعيد وقال: حسن غريب.
[18] أخرجه مسلم.
[19] أخرجه البيهقي من حديث عائشة.
[20] أخرجه البيهقي من حديث أنس.
[21] وهو شارب الخمر أو آكل الميتة أو لحم الخنزير.
[22] ورد في هذا المعنى حديث صحيح.
[23] المزمل 4.
[24] سورة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ 24.
[25] الإسراء 109.
[26] رواه أبو داوود والنسائي وابن ماجة وهو حديث حسن أو صحيح.
[27] أخرجه أصحاب السنن.
[28] أخرجه مسلم.
[29] أما بالنسبة لحفظ القرآن فقد ورد فيه حديث رواه الترمذي وحسنه ابن خزيمة والحاكم وقال: صحيح الإسناد. يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: (يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول القرآن: يا رب حله، فيلبس تاج الكرامة، ثم يقول: يا رب زده، فيلبس حلة الكرامة، ثم يقول: يا رب أرض عنه فيرضى عنه، فيقول له: اقرأ وارق ويزداد بكل آية حسنة) وفي حديث قدسي رواه أبو نعيم عن أبي سعيد: (يقول الله تعالى يوم القيامة: أين جيراني؟ فتقول الملائكة: من هذا الذي ينبغي له أن يجاورك؟ فيقول: أين قراء القرآن وعمار المساجد؟.
[30] يونس 92 بلفظ: (ننجيك).
[31] الواقعة 35، 37 .
[32] أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث عبادة بن سهم الفهري.
[33] رواه البخاري ومسلم عن أنس.
[34] رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
[35] أخرجه البخاري ومسلم.
[36] التوبة 111 .
[37] الصف 10- 13 .
[38] من حديث صحيح.
[39] رواه ابن ماجه والحاكم وأخرجه الترمذي عن أنس بإسناد ضعيف.
[40] الكهف 28 .
[41] رواه البخاري.
[42] ابراهيم 7 .
[43] طه 114 .
[44] الأنعام 90 .
[45] المائدة 78،79 .
[46] آل عمران 104 .
[47] طه 132 .
[48] النحل 125 .
[49] رواه مسلم.
[50] رواه مسلم .
[51] رواه مسلم .
[52] رواه أبو داوود والترمذي وقال: حسن صحيح.
[53] رواه الطبراني في الأوسط عن أبي الدرداء.
[54] يوسف 52 .
[55] الأعراف 31 .
[56] الزمر 53 .
[57] رواه الأصبهاني بسند ضعيف .
[58] رواه البخاري.
[59] رواه أبو داوود والترمذي وهو حسن صحيح .
[60] التحريم 8 .
[61] رواه البخاري ومسلم .
[62] رواه الطبراني وأبو داوود والترمذي عن أبي هريرة وقال: حسن صحيح.
[63] الفرقان 27 بلفظ " ويوم " .
[64] رواه أبو داوود وابن ماجه باللفظ الأول والرواية أخرجها الحاكم وقال صحيح على شرطها
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق