الأربعاء، 15 يوليو 2009

حقائق تكشف لأول مره في الحرب الاريترية اليمنية

في 18/12/1995م فجأة ودون سابق إنذار قامت قوات اريترية- إسرائيلية بهجوم خاطف على جزيرة حنيش الكبرى وقاموا باحتلالها وأسر الحامية اليمنية العسكرية فيها، وكان هذا الهجوم بقيادة طيار مقدم إسرائيلي يدعى (مايكل دوما) وكانت الأسلحة المستعملة إسرائيلية الصنع وقد أعلنت اليمن رفضها التصريح على الصعيد الرسمي بالوجود العسكري الإسرائيلي في اريتريا بينما أثبتت الحقائق أن الاتصالات التي جرت بين القوات التي اقتسمت جزيرة حنيش كانت باللغة العبرية وهذا ما أكده (مايكل كدامير) مدير معهد (موشيه دايان) في تل أبيب حيث قال "إن نشر طائرات إسرائيلية شرق تركيا وانتزاع جزيرة حنيش الكبرى من القوات اليمنية بواسطة اريتريا يندرجان في إطار إستراتيجية إقليمية وقائية تنفذها إسرائيل تحسبا لتهديدات سودانية - يمنية يمكن أن تعمد في المستقبل إلى التعرض لحركة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر".
افورقي في إسرائيل
في شباط/ فبراير 1996م قام الرئيس الاريتري أسياسي افورقي بزيارة معلنة إلى إسرائيل أسفرت عن توقيع اتفاقية أمنية مع الكيان الصهيوني لتعزيز التعاون العسكري بين البلدين ووضع إستراتيجية موحدة في البحر الأحمر تضمنت:
1- التزام إسرائيل بتقديم كل احتياجات اريتريا في المجال الدفاعي لتتمكن من بناء جيش نظامي قادر على مواجهة التهديدات المحتملة من السودان واليمن.
2- تشكيل فريق عمل دفاعي من الطرفين يضم خبراء في شؤون التسليح والتدريب والاستخبارات لتحديد نوعية وحجم متطلبات إعادة بناء القوات الاريترية من الأسلحة والتدريب.
3- تدعيم موقف اريتريا في مواجهة محاولات البحث والسيطرة على الجزر الإستراتيجية الواقعة في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر وذلك عن طريق تزويدها بوسائل القتال التي تنسجم مع طبيعة المهمات البحرية والجوية التي تتطلبها عملية ضمان سيطرة اريتريا على هذه الجزر واضطلاع إسرائيل بدور في حماية الوضع الراهن في البحر الأحمر عن طريق تأمين وجود عسكري محدود للمراقبة والرصد، والتدخل العسكري السريع في حالة حدوث تطورات تستدعي مثل هذا التدخل لحماية المصالح الإسرائيلية العليا.
4- الإسراع بإرسال مجموعة من الخبراء المتخصصين الذين تناط بهم مهمة تطوير وتحديث المنظومة الاريترية الدفاعية البحرية والجوية في الساحل الاريتري، بما في ذلك التدريب على استيعاب المفاهيم والعقائد العسكرية الغربية والإسرائيلية لاستعمال المعدات العسكرية الإسرائيلية بكفاءة وفاعلية.
مساومة إسرائيلية في صنعاء
في شباط فبراير 1996 زار اليمن عبد الوهاب الدراوشة عضو الكنيست الصهيوني مرشح (الحزب الديمقراطي العربي) وقد أكد موقف إسرائيل المحايد من النزاع اليمني الاريتري، وكان يحمل أربع رسائل شفهية هي الأولى تتعلق بلقاء بيريز مع الرئيس صالح، والثانية تشير إلى موافقة الملك حسين على استضافة هذا اللقاء، والثالثة طلب عرفات فتح مكتب يمني في منطقة الحكم الذاتي، والرابعة تتضمن تمنيات الحاخام جامائيل راعي اليهود اليمنيين في إسرائيل لزيارة اليمن.
ويذكر انه وبموجب هذا الاتفاق أرسلت إسرائيل 350 فنيا من يهود الفلاشا للعمل في صيانة وتأمين المنشآت العسكرية الاريترية فضلا عن 200 خبير ومستشار عسكري وأقامت مطارا عسكريا لصالح اريتريا بالقرب من ميناء مصوع، وقامت بتصدير شحنة من صواريخ جو/ ارض، وجو/ جو في سبتمبر أيلول 1996 إلى اريتريا.
ولا ريب أن التدخل في منطقة البحر الأحمر لم يكن إقليميا فقط بل كانت له أبعاده الدولية إذ أن واشنطن في ظل المتغيرات الدولية الجديدة وانفرادها بالنظام الدولي تمنع وقوع مضيق باب المندب تحت نفوذ قوى معادية وتؤمن الممر المائي لحماية مصالحها في تدفق النفط من الخليج العربي، كما أن الولايات المتحدة لها مصلحة في منطقة البحر الأحمر وأهمها ضمان امن وقوة بعض دول الشرق الأوسط التي تلتزم بتسوية سلمية للصراع العربي- الإسرائيلي واجتذاب دول عربية أخرى إلى فلك هذه السياسة.
تحذير أمريكي
قامت الولايات المتحدة في 14 نيسان/ ابريل 1996 بتحذير صانع قرار السياسة اليمنية من تكثيف وجوده العسكري في الأرخبيل أو اتخاذ أية ترتيبات عسكرية تهدف إلى استعادة الجزيرة باستعمال القوة العسكرية في مواجهة اريتريا، كما طلب ديفيد نيوتن السفير الأمريكي بصنعاء 13/ 4/ 1996م من الرئيس صالح التطبيع مع الكيان الصهيوني بوصفه مقابلا لتسوية قضية حنيش.
وجاءت التحذيرات الأمريكية لصانع قرار السياسة الخارجية اليمنية بطريقة عملية أي بعد اقل من خمسة أشهر من العدوان الاريتري، وفي النصف الثاني من نيسان- ابريل 1996 حدثت مناورات عسكرية مشتركة جمعت القوات الأمريكية - الإسرائيلية، والاريترية لمدة شهور، وكانت رسالة واضحة وجهتها واشنطن لصانع قرار السياسة اليمنية بعدم استعمال القوة العسكرية لاسترداد الجزيرة.
وهذا مؤشر بارز على التواطؤ الأمريكي لزعزعة الاستقرار في منطقة جنوب البحر الأحمر، وتعمل أمريكا على إيجاد دور فاعل لها في منطقة الخليج والبحر الأحمر مع العمل على إعادة ترتيب المنطقة طبقا لمصالحها الإستراتيجية واستبعاد وجود أي منافس لها، والسعي إلى استخدام اريتريا للقيام بعملية خلق واقع جديد في المنطقة من خلال إضفاء طابع مغاير لهوية المنطقة العربية الإسلامية.
وبقدر ما اتسم موقف صانع قرار السياسة اليمنية في البداية بشيء من التهاون وعدم القدرة على قراءة مؤشرات الأزمة منذ بداية ظهورها واتخاذ الاحتياطات اللازمة والحفاظ على السيادة الوطنية بقدر ما اتسمت في الوقت نفسه باستعمال سياسة ضبط الأعصاب وتفادي توسيع انتشار دائرة المعارك العسكرية ومحاولة استعمال ما أمكن من إمكانات متوافرة للحوار والحلول السياسية على قاعدة الحفاظ على السيادة الوطنية.
وعلى الرغم من مرارة الهزيمة المتمثل في احتلال الجزيرة بالقوة واسر الجنود اليمنيين البالغ عددهم 185جنديا، إلا أن النزاع على الرغم من مساحته المحدودة والطابع المفاجئ الذي برز فيه، يحمل أبعادا كثيرة قد تتجاوز الحدود لاسيما الدعم الإسرائيلي والأمريكي لاريتريا الذي يشكل في نهاية المطاف محصلة لتأثير عوامل محلية وإقليمية ودولية متعددة ولهذا فمن الخطأ تجاهلها أو تبسيطها.
خيارات اليمن
لهذا كانت اليمن أمام خيارين: الأول ترك الفرصة أمام الوسائل الدبلوماسية والوساطات الدولية إلى أن تتوصل إلى انسحاب القوات الاريترية ومن ثم حل القضايا المتنازع عليها بالحوار وفقا للمواثيق الدولية والحقوق القانونية والتاريخية للطرفين.
والخيار الثاني: هو استعمال القوة على قاعدة ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وهذا يمثل الاتجاه الشعبي لكن الخيار الأول أفضل إذا ما قيس بخيار الحرب الذي لا يخدم مصلحة الطرفين والاستقرار والأمن في المنطقة، خاصة بعد تأكيد وزير خارجية اليمن والدفاع أمام مجلس النواب أن البحرية اليمنية قد دمرت عن بكرة أبيها خلال حرب الانفصال، وان اليمن لم يكن يملك أي زورق حربي جاهز للمواجهة العسكرية حين قامت القوات الاريترية باحتلال الجزيرة، وأنها لا تملك وسائل أو قطع بحرية لنقل الماء والغذاء للقوات اليمنية المتمركزة في جزيرة زُقر، لذا جرى الاعتماد على الطائرات المروحية ووسائل النقل المدنية التي كانت تستعمل بالأجر، وهذا الأمر هو الذي دفع اليمن إلى الإعلان بأن محاولة استرداد الجزيرة بالقوة العسكرية من دون قوات بحرية معناه الانتحار (جلسة 31/ 12/ 1995، المحضر التفصيلي رقم 2/2/2/3 ص23- 29).
ولأجل هذا بذلت القوى الدولية فيها جهوداً دبلوماسية مكثفة بين اليمن واريتريا وتوصل الطرفان إلى اتفاق تحكيم دولي بشأن جزر حنيش في 3/ 10/ 1996م وبعد سنتين من ذلك الاتفاق، قضى قرار محكمة التحكيم بالإجماع بأحقية اليمن بالسيادة على جزر حنيش وفي مقدمتها جزيرة حنيش الكبرى وذلك بتاريخ 9/ 10/ 1998م وقد استعان البلدان «اليمن واريتريا» بمحامين أجانب يتقاضون أجورهم بالساعة وكلفتا الدولتين ملايين الدولارات، وعادت العلاقات اليمنية- الأمريكية ولاسيما في الجانب العسكري الذي تلا عودة السيادة اليمنية على جزر حنيش.
في المرحلة الأولى من التحكيم أكدت المحكمة سيادة الجمهورية اليمنية على جزيرة جبل الطير ومجموعة جزر الزبير وجزيرة زقر ومجموعة جزر حنيش، أما المرحلة الثانية من التحكيم فقد حددت الحدود البحرية بين الدولتين بخط حدودي بحري واحد مستند إلى نقاط الأساس على الساحلين الشرقي لليمن والغربي لاريتريا وكذلك مجموعة الجزر القريبة من الشاطئ مثل جزيرة كمران وما حولها من الجزر على الساحل اليمني ومجموعة جزر دهلك على الساحل الاريتري، وأعطى الحكم للجزر اليمنية الواقعة في وسط البحر الأحمر حقها الكامل من البحر الإقليمي بحسب نص المادة 159 من اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لعام 1988، وفي حالة الجزر المتقابلة للدولتين والتي تقل المسافة البحرية بينهما عن 24 ميلا بحريا فقد قسمت هيئة التحكيم تلك المسافة بين الدولتين مناصفة.
يمثل البحر الأحمر أهمية بالغة لأمن الدول العربية المطلة عليه خاصة، والأمن القومي العربي عامة، وإن ما حدث لليمن من احتلال لجزيرة حنيش الكبرى لا يعني اليمن فحسب وإنما يعني في الوقت نفسه العرب جميعا والدول المطلة على البحر الأحمر بصفة خاصة.
ولاشك أن قضايا البحر الأحمر هي قضايا معقدة وذلك لطبيعة أهميته الجيوبولتيكية والجيوستراتيجية، ولهذا فان قضية امن وتأمين البحر الأحمر وخاصة في ما يتعرض له اليوم من قرصنه ذات مغزى استعماري، ولابد من اجتماع طارئ للدول المطلة عليه والمشاطئة له واتخاذ قرار رادع في إطار الأمن القومي قبل الحسرة وانهزام عربي آخر..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق