عبدالباسط الشميري
توقع التقرير الاستراتيجي اليمني الذي صدر عن مركز الدراسات الاستراتيجي اليمني للعام 2008م ان تداعيات الأزمة على الاقتصاد العالمي عموماً والاقتصاد اليمني على وجه الخصوص يمكن لها أن تستفحل لتشمل جوانب كثيرة من قطاعات الاقتصاد المختلفة من شركات ومؤسسات وافراد، خصوصاً وقد أصبح تأثير أصبح التدهور في الاقتصاد العالمي شاملاً، واظهر التقرير أن هناك مخاطر كبيرة قد تترتب على البلدان النامية بشكل خاص وعلى بلدان العالم بشكل عام وذلك على صعيد التجار الدولية والاستثمار ولذلك نصح التقرير البلدان النامية ان تكون اكثر احتراساً فمن المتوقع ان تلجأ الشركات الامريكية العملاقة وبحسب التقرير إلى سحب جزء من استثماراتها الخارجية وتقلل الاستيراد من الدول الأخرى وذلك لتعويض بعض خسائرها في الداخل وهو ما يحتم على هذه البلدان ان تحتفظ باحتياطات مالية مناسبة لتزيد من قدرتها على مواجهة الأزمة وان تحسن إدارة التعويم لأسعار صرف عملاتها الوطنية، كما أن عليها وضع بعض القيود المناسبة على تدفق رؤوس الأموال إلى الداخل خاصة التدفقات قصيرة الأجل ولتجنب الأزمات المالية الداخلية فلابد من تصويب أوضاع النظم المالية والمصرفية داخلياً ولتجنب الأزمات الداخلية والصدمات الخارجية.. واشار التقرير إلى ان من آثار الأزمة المالية ما نشاهده من تراجع في حجم الصادرات من البلدان النامية إلى البلدان الصناعية نتيجة للركود في اقتصاديات البلدان الصناعية وانخفاض اسعار السلع وهو ما يزيد من حجم الضغوط على موازين المدفوعات لهذه البلدان ويقلل من فرص النمو بشكل عام... على نفس الصعيد اشارت تقديرات صندوق النقد الدولي إلى احتمال تقلص الاقتصاد العالمي هذا العام ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية وتوقع أن تتجه التجارة العالمية نحو الانخفاض بمعدل 7% م عن الأعوام الثلاثة السابقة، وحذر التقرير من ان مخاطر تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي قد تمتد إلى الربع الأول من العام 2010م ويسود الموقف الان اجواء من عدم اليقين إلى جانب احتمالات متوقعة لمخاطر معاكسة لتحقيق الاستقرار في الوضع المالي العالمي وقد اقتربت كثير من الاقتصاديات المتقدمة من وضع الانكماش أو دخلت فيه -بحسب تقارير صندوق النقد الدولي- أما إثار الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد اليمني فنوردها وكما جاءت في التقرير:
آثار الأزمة المالية على الاقتصاد اليمني
تواجه اليمن صعوبات اقتصادية متزايدة وذلك بسبب محدودية الموارد التي تمتلكها إلى جانب هشاشة الاقتصاد اليمني واعتماده الكبير على القطاع النفطي والذي تأثر بصورة كبيرة بالأزمة المالية العالمية والتي يبدو أنها جاءت بمثابة جرس انذار أخير لصانعي القرار في اليمن ليستفيد من دروس الأزمة ويتخذوا القرارات المناسبة لتفادي ما هو أسوأ، ويمكن لنا إيجاز آثار الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد اليمني من خلال الآتي:
أ - الآثار السلبية للأزمة:
تراجع حجم الإنفاق الحكومي بسبب انخفاض أسعار النفط: إن التراجع الكبير في أسعار النفط يضع الحكومة أمام تحدٍ كبير في مجال المالية العامة وهو المحافظة على وضع الاستدامة المالية طويلة الاجل حيث أن الموازنة تعتمد بشكل كبير على الإيرادات النفطية وقد شكلت الإيرادات من النفط والغاز حوالي 75% من إجمالي الإيرادات العامة خلال الفترة 2004م- 2008م، والانخفاض المتواصل في الإنتاج النفطي هو العنصر الآخر الذي يهدد الاستقرار المالي إلى جانب العبء الكبير المتزايد للدين المحلي والارتفاع الحاد في جميع النفقات خلال السنوات الخمس الماضية وكلها جميعاً تمثل وضعاً حرجاً جداً في ظل غياب البدائل في المستقبل المنظور حيث لا يتوقع تحسن الإيرادات العامة الذاتية غير النفطية بشكل كبير في ظل غياب الإصلاحات المؤسسية الشاملة كما أن الإيرادات غير الذاتية من المساعدات والقروض من الصعب أن تتوقع زيادة ملحوظة فيها بسبب انعكاسات الأزمة المالية سلباً على هذا الجانب وضعف القدرة الاستيعابية لليمن التي كانت سبباً في عدم الاستفادة من نسبة عالية من القروض بصفة مستمرة، وما كشفه مؤتمر المانحين المنعقد في صنعاء أن اليمن لم تستفد سوى من أقل من 10% من الأموال التي تم تخصيصها خلال العامين الماضيين في إطار التزامات المانحين في مؤتمر لندن2006م.
وبالنسبة لما هو متوقع من الاجراءات الحكومية بشأن المعالجات فعلى صعيد ترشيد الإنفاق العام وإعادة هيكلته لصالح زيادة الإنفاق الاستثماري فإنه من التجربة ومن خلال الممارسات الملموسة فلا يتوقع التقرير كثيراً في هذا الجانب خاصة وأن تحقيق الكفاءة في استخدام الموارد العامة لا يمكن أن يتم إلا في ظل وجود الشفافية والمساءلة وهما الغائبان باستمرار، وهذا الغياب يجعل ضبط المسار المالي للدولة غير ممكن بل يصبح مرشحاً لمزيد من التدهور، وربما وصل إلى حد الانهيار ما لم يتم تدارك الأوضاع ومنع تفاقمها ولن يكون ذلك بغير الإسراع في الإصلاحات الشاملة، وفي مقدمتها الإصلاحات المالية التي تهدف إلى وقف نزيف المال العام ومنع تبديده في غير الأولويات التنموية والإنفاق على رفع مستوى الخدمات العامة وايصالها إلى جميع المواطنين في الريف والحضر فضلاً عن تنمية الإنسان اليمني وزيادة قدراته ومهاراته ومعارفه وحذر التقرير من أن الأثر الاقتصادي لانخفاض الإنفاق العام وبوجه أخص الإنفاق الاستثماري سوف ينعكس سلباً على النشاط الاقصتادي ومن ثم سوف يؤدي إلى انخفاض العرض الكلي من السلع والخدمات وهكذا فإن الدورة الاقتصادية سوف تتم بالانكماش وبمعنى آخر سوف نشهد تراجعاً أكبر في معدلات النمو الاقتصادي خلال العام 2009م والأعوام القليلة التالية خاصة في ظل تراجع الإنتاج النفطي المستمر ومحدودية الأثر الإيجابي لتصدير الغاز.
- تأثير القطاعات الاقصادية المرتبطة بالعالم الخارجي سلباً وكذلك بقية القطاعات فالانكماش الذي تشهده اقتصاديات البلدان الصناعية سوف يؤدي إلى انخفاض في حجم المبادلات الاقصادية والمالية والتجارية وسوف تتأثر القطاعات ذات الاربتاط الخارجي بهذا الوضع مثل القطاع السياحي الذي يعتمد على كثير من السواح والأوروبيين وغيرهم من السواح القادمين من بلدان جميعها تأثرت بالأزمة وسوف ينعكس ذلك من خلال انخفاض عدد السواح القادمين من هذه البلدان إلى اليمن كما أن القطاعات التصديرية غير النفطية قد تعرضت هي الأخرى لتراجع حجم صادراتها إلى الأسواق الخارجية وانخفاض أسعار السلع المصدرة فقطاع الأسماك قد تعرض لخسارة جراء الأزمة حيث انخفضت الأسعار العالمية وانخفض حجم الطلب وبالتالي فإنه من المتوقع أن يحدث انخفاض ملموس في قيمة الصادرات السمكية خلال العام 2009م.
- إن درجة التأثر تعتمد على حجم اندماج الجهاز بالمصرفي الاقتصاد العالمي وبالأسواق المالية العالمية ومن ثم فإن الأثر محدود رغم غياب الشفافية ولكن جهة أخرى فإن احتياطيات البنك المركزي والبنوك التجارية المودعة في بنوك خارجية قد تعرضت للتآكل بسبب تدهور قيمة اليورو والجنيه الإسترليني والدولار.
- ان الانخفاض الكبير في الإيرادات من الصادرات النفطية وتراجع حجم التحويلات إلى اليمن بجانب التراجع في حجم الاستثمارات الخارجية في اليمن سوف يؤدي إلى زيادة مستوى العجز في ميزان المدفوعات وانخفاض حجم الاحتياطات الخارجية وهو ما سوف يؤثر سلباً على وضع العملة المحلية.
ب - الآثار الايجابية للأزمة:
- لقد أدت الأزمة إلى انخفاض أسعار بعض السلع عالمياً وانعكس ذلك في انخفاض قيمة الواردات السلعية وخاصة السلع الغذائية وهو ما ساعد في التخفيف من آثار الأزمة على مستوى معيشة الأفراد من خلال انخفاض أسعار بعض السلع في السوق المحلية كما أن ذلك سوف يساعد على انخفاض معدلات التضخم أيضاً.
- ان التراجع الكبير في أسعار الحديد قد أدى إلى عدم تعرض سوق العقارات في اليمن إلى هزة كبيرة وظل سوق العقارات محافظاً إلى حد كبير على مستوى أسعار مقارب للأسعار السائدة محلياً قبل بداية الأزمة وإن كانت حالة من الركود النسبي تعم هذه السوق المهمة والتي تستقطب قدراً مهماً من العمالة ذات الأجر اليومي، ومع ذلك فإنه يتوقع لهذه السوق أن تنشط خلال النصف الثاني من العام الحالي خاصة مع وجود طلب حقيقي على المنازل وتفضيل معظم المستثمرين للاستثمار بهذا القطاع.
- لعل وعسى أن تكون الأزمة سبباً لبقاء الأموال الهاربة إلى الخارج وعودة البعض الآخر إلى الداخل كما أنه ليس مستبعداً تستقطب اليمن جزءاً ولو بسيطاً من الاستثمارات الخليجية التي يتوقع إعادة تدويرها في إطار السوق الاقليمية بدلاً من السوق الدولية كنتيجة للخسائر الكبيرة التي تعرضت لها هذه الأموال المستثمرة في الأسواق العالمية، وإن كان هذا التوقع مرتبطاً بتحسن مناخ الاستثمار في اليمن بدرجة أساسية.
إنه في ظل قاعدة انتاجية ضعيفة فإن اليمن لن تتمكن من تنويع مصادر دخلها وتقليل الاعتماد على النفط الناضب في غضون بضع سنين والمتقلب سعره عالمياً، كما أن قدرتها على استغلال القطاعات الاقتصادية الواعدة ومختلف طاقاتها الكامنة مرهون بقدرتها على إنجاز الإصلاحات المؤسسية الشاملة وتحقيق الحكم الجيد والإدارة الكفؤة للموارد وتحسين بيئة الاستثمار والأعمال والتغلب على التحديات السياسية والأمنية والاجتماعية المتزايدة وجميع هذه التحديات لا يمكن مواجهتها وتجاوزها بدون توفر إرادة سياسية مسنودة بتوافق وطني يهيئ المناخ والظروف الداعمة لعمل وطني تتضافر فيه الجهود ا لرسمية والشعبية الرامية إلى تفادي المسار الكارثي والذي يهدد مستقبل البلاد ووحدتها فضلاً عن حدوث انهيار اقتصادي يصعب التعافي منه في ظل الملامح القائمة للأوضاع السياسية والأمنية في البلاد.
استشراف مستقبل الأزمة:
لقد رجحت بعض التوقعات ان تنجح الاجراءات التي اتخذتها الحكومة الأمريكية والحكومات الأوروبية في تحقيق الاستقرار في الأوضاع المالية والقدرة على التغلب على التطورات السلبية إن حدثت مجدداً، رغم وجود احتمالات بأن تقع خسائر ائتمانية إضافية مع وجود عوائق تقيد سرعة إنشاء الائتمان وتقلص النشاط الاقتصادي كما أنه هناك مخاطر من الانقطاعات المحتملة في تدفقات رؤوس الأموال واحتمالات تزايد الحمائية، وهي بمثابة مخاطر إضافية تهدد الانتعاش وذلك بحسب تقارير صندوق النقد الدولي التي تركز على بعض العوامل لحدوث انتعاش تدريجي يبدأ في أواخر عام 2009م، وأهم هذه العوامل هو انخفاض مخاطر التضخم على المستوى العالمي وذلك سبب تراجع أسعار السلع الأولية مع تباطؤ النشاط الاقتصادي.
المؤسسات المالية الإسلامية كبديل للنظام المالي العالمي:
لقد شهد العالم آثار الأزمة المالية العالمية ولمس نتائجها السلبية على المؤسسات والبنوك العالمية وكيف أن المؤسسات المالية الإسلامية العاملة في مختلف أنحاء العالم لم تتأثر بالأزمة كمثيلاتها من البنوك والمؤسسات المالية كونها لا تعمل في المشتقات المالية أياً كانت، ويقوم عملها على أساس توليد عائد ربحي على غير أساس الربا (الفوائد) ويكون هذا العائد على رأس المال ناتجاً عن قيام صفقات وأعمال تتضمن أصولاً.
ان ما جرى يؤكد حاجة النظام الاقتصادي العالمي لإلغاء الربا ولقد اثبتت المؤسسات المالية الإسلامية قدرتها على تقديم البدائل للنظام المالي الحالي، ويمكنها تقديم بدائل جديدة تلبي حاجة النظام الاقتصادي العالمي في كثير من التعاملات المالية والتجارية المتطورة من خلال ابتكار أدوات مالية ونقدية جديدة تسهم في تعزيز التجارة والاستثمار الدوليين، ولن يكون ذلك إلا بسد الفجوة بين الجانب المعرفي والجانب العلمي التطبيقي ولقد اقترح الاقتصادي العالمي الفرنسي (موريس آلي) الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد - عندما تطرق إلى الأزمة الهيكلي التي يشهدها الاقتصاد العالمي بقيادة (الليبرالية المتوحشة) كما وصفها - معتبراً أن الوضع على حافة بركان ومهدد بالانهيار تحت وطأة الأزمة، واقترح للخروج من الأزمة وإعادة التوازن شرطين هما: تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصفر، ومراجعة معدل الضربية إلى ما يقرب 2% وهو ما يتطابق مع إلغاء الربا ونسبة الزكاة في النظام المالي الإسلامي.
ان المعطيات الحالية القائمة تدعم الأخذ بجوانب المعاملات المالية الإسلامية وفي نفس الوقت توجب على المختصين والمسئولين والمهتمين من المسلمين أن يجتهدوا لتعريف العالم بالنظم المالية الإسلامية كما أن الوضع يجب عليهم العمل على تطوير عمل المؤسسات المالية الإسلامية وبما يخدم التطورات السريعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي خاصة في جوانبه المالية والتجارية والاستثمارية.
العالم بحاجة إلى ابتكار نظام اقتصادي جديد
لقد بينت الأزمة أن التوسع المستقر في الاقتصاد العالمي بسبب زيادة درجة اندماج الاقتصاديات قد ترافق مع كثير من الاختلالات في الأسواق وذلك بسبب تراخي السياسات الاقتصادية الكلية والقواعد التنظيمية مما سمح بتجاوز السرعة التي يسير بها الاقتصاد العالمي وعليه فإن دور الدولة ينبغي أن يتركز في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والحيلولة دون اندلاع الأزمات الاقتصادية واتخاذ كل الخطوات التي من شأنها ان تعمل على زيادة رفاهية المجتمع المحلي، وتضييق التفاوت الاقتصادي بين فئاته والمساهمة في خلق عالم يتصف بالعدالة والأمن والسلام للجميع.
إن العالم بحاجة إلى ابتكار نظام اقتصادي عالمي جديد يؤدي من خلال الثروة المتزايدة إلى زيادة الرفاه البشري، وتقليص التفاوت في الثروة على مستوى التكتلات والبلدان والبلد الواحد بدلاً من النظام القائم الذي أدى إلى زيادة التفاوتات واتساع حجم الفجوة بين الأغنياء والفقراء أمماً وشعوباً وأفراداً.
وفي هذا الصدد فإنه من المهم جداً للدول النامية أن تدفع الدول الصناعية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لمراجعة المسار الاقتصادي العالمي وإدارته بشكل أفضل كجزء من مسؤوليتها في قيادة النظام الاقتصادي والنظام الدولي بشكل عام، ويأتي في مقدمة ذلك تصويب النظام النقدي والمالي الدولي المعرض للانهيارات المتكررة والمرقع بالنجدات المتتالية.
ونصح التقرير صانعي السياسات أن يبادروا إلى وضع السياسات الاقتصادية الكلية، التي تهدف إلى دعم النشاط الاقتصادي من أجل الخروج من حلقة الآثار السلبية المرتدة، وبما يساعد على احتواء التضخم والفجوة المتسعة في الناتج وعليهم إعادة بناء رؤوس الأموال المصرفية واستعادة السيولة في أسواق التمويل، كما أن عليهم اتخاذ سياسات تركز على تجنب دورات الارتفاع والانخفاض في أسعار الأصول
توقع التقرير الاستراتيجي اليمني الذي صدر عن مركز الدراسات الاستراتيجي اليمني للعام 2008م ان تداعيات الأزمة على الاقتصاد العالمي عموماً والاقتصاد اليمني على وجه الخصوص يمكن لها أن تستفحل لتشمل جوانب كثيرة من قطاعات الاقتصاد المختلفة من شركات ومؤسسات وافراد، خصوصاً وقد أصبح تأثير أصبح التدهور في الاقتصاد العالمي شاملاً، واظهر التقرير أن هناك مخاطر كبيرة قد تترتب على البلدان النامية بشكل خاص وعلى بلدان العالم بشكل عام وذلك على صعيد التجار الدولية والاستثمار ولذلك نصح التقرير البلدان النامية ان تكون اكثر احتراساً فمن المتوقع ان تلجأ الشركات الامريكية العملاقة وبحسب التقرير إلى سحب جزء من استثماراتها الخارجية وتقلل الاستيراد من الدول الأخرى وذلك لتعويض بعض خسائرها في الداخل وهو ما يحتم على هذه البلدان ان تحتفظ باحتياطات مالية مناسبة لتزيد من قدرتها على مواجهة الأزمة وان تحسن إدارة التعويم لأسعار صرف عملاتها الوطنية، كما أن عليها وضع بعض القيود المناسبة على تدفق رؤوس الأموال إلى الداخل خاصة التدفقات قصيرة الأجل ولتجنب الأزمات المالية الداخلية فلابد من تصويب أوضاع النظم المالية والمصرفية داخلياً ولتجنب الأزمات الداخلية والصدمات الخارجية.. واشار التقرير إلى ان من آثار الأزمة المالية ما نشاهده من تراجع في حجم الصادرات من البلدان النامية إلى البلدان الصناعية نتيجة للركود في اقتصاديات البلدان الصناعية وانخفاض اسعار السلع وهو ما يزيد من حجم الضغوط على موازين المدفوعات لهذه البلدان ويقلل من فرص النمو بشكل عام... على نفس الصعيد اشارت تقديرات صندوق النقد الدولي إلى احتمال تقلص الاقتصاد العالمي هذا العام ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية وتوقع أن تتجه التجارة العالمية نحو الانخفاض بمعدل 7% م عن الأعوام الثلاثة السابقة، وحذر التقرير من ان مخاطر تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي قد تمتد إلى الربع الأول من العام 2010م ويسود الموقف الان اجواء من عدم اليقين إلى جانب احتمالات متوقعة لمخاطر معاكسة لتحقيق الاستقرار في الوضع المالي العالمي وقد اقتربت كثير من الاقتصاديات المتقدمة من وضع الانكماش أو دخلت فيه -بحسب تقارير صندوق النقد الدولي- أما إثار الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد اليمني فنوردها وكما جاءت في التقرير:
آثار الأزمة المالية على الاقتصاد اليمني
تواجه اليمن صعوبات اقتصادية متزايدة وذلك بسبب محدودية الموارد التي تمتلكها إلى جانب هشاشة الاقتصاد اليمني واعتماده الكبير على القطاع النفطي والذي تأثر بصورة كبيرة بالأزمة المالية العالمية والتي يبدو أنها جاءت بمثابة جرس انذار أخير لصانعي القرار في اليمن ليستفيد من دروس الأزمة ويتخذوا القرارات المناسبة لتفادي ما هو أسوأ، ويمكن لنا إيجاز آثار الأزمة المالية العالمية على الاقتصاد اليمني من خلال الآتي:
أ - الآثار السلبية للأزمة:
تراجع حجم الإنفاق الحكومي بسبب انخفاض أسعار النفط: إن التراجع الكبير في أسعار النفط يضع الحكومة أمام تحدٍ كبير في مجال المالية العامة وهو المحافظة على وضع الاستدامة المالية طويلة الاجل حيث أن الموازنة تعتمد بشكل كبير على الإيرادات النفطية وقد شكلت الإيرادات من النفط والغاز حوالي 75% من إجمالي الإيرادات العامة خلال الفترة 2004م- 2008م، والانخفاض المتواصل في الإنتاج النفطي هو العنصر الآخر الذي يهدد الاستقرار المالي إلى جانب العبء الكبير المتزايد للدين المحلي والارتفاع الحاد في جميع النفقات خلال السنوات الخمس الماضية وكلها جميعاً تمثل وضعاً حرجاً جداً في ظل غياب البدائل في المستقبل المنظور حيث لا يتوقع تحسن الإيرادات العامة الذاتية غير النفطية بشكل كبير في ظل غياب الإصلاحات المؤسسية الشاملة كما أن الإيرادات غير الذاتية من المساعدات والقروض من الصعب أن تتوقع زيادة ملحوظة فيها بسبب انعكاسات الأزمة المالية سلباً على هذا الجانب وضعف القدرة الاستيعابية لليمن التي كانت سبباً في عدم الاستفادة من نسبة عالية من القروض بصفة مستمرة، وما كشفه مؤتمر المانحين المنعقد في صنعاء أن اليمن لم تستفد سوى من أقل من 10% من الأموال التي تم تخصيصها خلال العامين الماضيين في إطار التزامات المانحين في مؤتمر لندن2006م.
وبالنسبة لما هو متوقع من الاجراءات الحكومية بشأن المعالجات فعلى صعيد ترشيد الإنفاق العام وإعادة هيكلته لصالح زيادة الإنفاق الاستثماري فإنه من التجربة ومن خلال الممارسات الملموسة فلا يتوقع التقرير كثيراً في هذا الجانب خاصة وأن تحقيق الكفاءة في استخدام الموارد العامة لا يمكن أن يتم إلا في ظل وجود الشفافية والمساءلة وهما الغائبان باستمرار، وهذا الغياب يجعل ضبط المسار المالي للدولة غير ممكن بل يصبح مرشحاً لمزيد من التدهور، وربما وصل إلى حد الانهيار ما لم يتم تدارك الأوضاع ومنع تفاقمها ولن يكون ذلك بغير الإسراع في الإصلاحات الشاملة، وفي مقدمتها الإصلاحات المالية التي تهدف إلى وقف نزيف المال العام ومنع تبديده في غير الأولويات التنموية والإنفاق على رفع مستوى الخدمات العامة وايصالها إلى جميع المواطنين في الريف والحضر فضلاً عن تنمية الإنسان اليمني وزيادة قدراته ومهاراته ومعارفه وحذر التقرير من أن الأثر الاقتصادي لانخفاض الإنفاق العام وبوجه أخص الإنفاق الاستثماري سوف ينعكس سلباً على النشاط الاقصتادي ومن ثم سوف يؤدي إلى انخفاض العرض الكلي من السلع والخدمات وهكذا فإن الدورة الاقتصادية سوف تتم بالانكماش وبمعنى آخر سوف نشهد تراجعاً أكبر في معدلات النمو الاقتصادي خلال العام 2009م والأعوام القليلة التالية خاصة في ظل تراجع الإنتاج النفطي المستمر ومحدودية الأثر الإيجابي لتصدير الغاز.
- تأثير القطاعات الاقصادية المرتبطة بالعالم الخارجي سلباً وكذلك بقية القطاعات فالانكماش الذي تشهده اقتصاديات البلدان الصناعية سوف يؤدي إلى انخفاض في حجم المبادلات الاقصادية والمالية والتجارية وسوف تتأثر القطاعات ذات الاربتاط الخارجي بهذا الوضع مثل القطاع السياحي الذي يعتمد على كثير من السواح والأوروبيين وغيرهم من السواح القادمين من بلدان جميعها تأثرت بالأزمة وسوف ينعكس ذلك من خلال انخفاض عدد السواح القادمين من هذه البلدان إلى اليمن كما أن القطاعات التصديرية غير النفطية قد تعرضت هي الأخرى لتراجع حجم صادراتها إلى الأسواق الخارجية وانخفاض أسعار السلع المصدرة فقطاع الأسماك قد تعرض لخسارة جراء الأزمة حيث انخفضت الأسعار العالمية وانخفض حجم الطلب وبالتالي فإنه من المتوقع أن يحدث انخفاض ملموس في قيمة الصادرات السمكية خلال العام 2009م.
- إن درجة التأثر تعتمد على حجم اندماج الجهاز بالمصرفي الاقتصاد العالمي وبالأسواق المالية العالمية ومن ثم فإن الأثر محدود رغم غياب الشفافية ولكن جهة أخرى فإن احتياطيات البنك المركزي والبنوك التجارية المودعة في بنوك خارجية قد تعرضت للتآكل بسبب تدهور قيمة اليورو والجنيه الإسترليني والدولار.
- ان الانخفاض الكبير في الإيرادات من الصادرات النفطية وتراجع حجم التحويلات إلى اليمن بجانب التراجع في حجم الاستثمارات الخارجية في اليمن سوف يؤدي إلى زيادة مستوى العجز في ميزان المدفوعات وانخفاض حجم الاحتياطات الخارجية وهو ما سوف يؤثر سلباً على وضع العملة المحلية.
ب - الآثار الايجابية للأزمة:
- لقد أدت الأزمة إلى انخفاض أسعار بعض السلع عالمياً وانعكس ذلك في انخفاض قيمة الواردات السلعية وخاصة السلع الغذائية وهو ما ساعد في التخفيف من آثار الأزمة على مستوى معيشة الأفراد من خلال انخفاض أسعار بعض السلع في السوق المحلية كما أن ذلك سوف يساعد على انخفاض معدلات التضخم أيضاً.
- ان التراجع الكبير في أسعار الحديد قد أدى إلى عدم تعرض سوق العقارات في اليمن إلى هزة كبيرة وظل سوق العقارات محافظاً إلى حد كبير على مستوى أسعار مقارب للأسعار السائدة محلياً قبل بداية الأزمة وإن كانت حالة من الركود النسبي تعم هذه السوق المهمة والتي تستقطب قدراً مهماً من العمالة ذات الأجر اليومي، ومع ذلك فإنه يتوقع لهذه السوق أن تنشط خلال النصف الثاني من العام الحالي خاصة مع وجود طلب حقيقي على المنازل وتفضيل معظم المستثمرين للاستثمار بهذا القطاع.
- لعل وعسى أن تكون الأزمة سبباً لبقاء الأموال الهاربة إلى الخارج وعودة البعض الآخر إلى الداخل كما أنه ليس مستبعداً تستقطب اليمن جزءاً ولو بسيطاً من الاستثمارات الخليجية التي يتوقع إعادة تدويرها في إطار السوق الاقليمية بدلاً من السوق الدولية كنتيجة للخسائر الكبيرة التي تعرضت لها هذه الأموال المستثمرة في الأسواق العالمية، وإن كان هذا التوقع مرتبطاً بتحسن مناخ الاستثمار في اليمن بدرجة أساسية.
إنه في ظل قاعدة انتاجية ضعيفة فإن اليمن لن تتمكن من تنويع مصادر دخلها وتقليل الاعتماد على النفط الناضب في غضون بضع سنين والمتقلب سعره عالمياً، كما أن قدرتها على استغلال القطاعات الاقتصادية الواعدة ومختلف طاقاتها الكامنة مرهون بقدرتها على إنجاز الإصلاحات المؤسسية الشاملة وتحقيق الحكم الجيد والإدارة الكفؤة للموارد وتحسين بيئة الاستثمار والأعمال والتغلب على التحديات السياسية والأمنية والاجتماعية المتزايدة وجميع هذه التحديات لا يمكن مواجهتها وتجاوزها بدون توفر إرادة سياسية مسنودة بتوافق وطني يهيئ المناخ والظروف الداعمة لعمل وطني تتضافر فيه الجهود ا لرسمية والشعبية الرامية إلى تفادي المسار الكارثي والذي يهدد مستقبل البلاد ووحدتها فضلاً عن حدوث انهيار اقتصادي يصعب التعافي منه في ظل الملامح القائمة للأوضاع السياسية والأمنية في البلاد.
استشراف مستقبل الأزمة:
لقد رجحت بعض التوقعات ان تنجح الاجراءات التي اتخذتها الحكومة الأمريكية والحكومات الأوروبية في تحقيق الاستقرار في الأوضاع المالية والقدرة على التغلب على التطورات السلبية إن حدثت مجدداً، رغم وجود احتمالات بأن تقع خسائر ائتمانية إضافية مع وجود عوائق تقيد سرعة إنشاء الائتمان وتقلص النشاط الاقتصادي كما أنه هناك مخاطر من الانقطاعات المحتملة في تدفقات رؤوس الأموال واحتمالات تزايد الحمائية، وهي بمثابة مخاطر إضافية تهدد الانتعاش وذلك بحسب تقارير صندوق النقد الدولي التي تركز على بعض العوامل لحدوث انتعاش تدريجي يبدأ في أواخر عام 2009م، وأهم هذه العوامل هو انخفاض مخاطر التضخم على المستوى العالمي وذلك سبب تراجع أسعار السلع الأولية مع تباطؤ النشاط الاقتصادي.
المؤسسات المالية الإسلامية كبديل للنظام المالي العالمي:
لقد شهد العالم آثار الأزمة المالية العالمية ولمس نتائجها السلبية على المؤسسات والبنوك العالمية وكيف أن المؤسسات المالية الإسلامية العاملة في مختلف أنحاء العالم لم تتأثر بالأزمة كمثيلاتها من البنوك والمؤسسات المالية كونها لا تعمل في المشتقات المالية أياً كانت، ويقوم عملها على أساس توليد عائد ربحي على غير أساس الربا (الفوائد) ويكون هذا العائد على رأس المال ناتجاً عن قيام صفقات وأعمال تتضمن أصولاً.
ان ما جرى يؤكد حاجة النظام الاقتصادي العالمي لإلغاء الربا ولقد اثبتت المؤسسات المالية الإسلامية قدرتها على تقديم البدائل للنظام المالي الحالي، ويمكنها تقديم بدائل جديدة تلبي حاجة النظام الاقتصادي العالمي في كثير من التعاملات المالية والتجارية المتطورة من خلال ابتكار أدوات مالية ونقدية جديدة تسهم في تعزيز التجارة والاستثمار الدوليين، ولن يكون ذلك إلا بسد الفجوة بين الجانب المعرفي والجانب العلمي التطبيقي ولقد اقترح الاقتصادي العالمي الفرنسي (موريس آلي) الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد - عندما تطرق إلى الأزمة الهيكلي التي يشهدها الاقتصاد العالمي بقيادة (الليبرالية المتوحشة) كما وصفها - معتبراً أن الوضع على حافة بركان ومهدد بالانهيار تحت وطأة الأزمة، واقترح للخروج من الأزمة وإعادة التوازن شرطين هما: تعديل معدل الفائدة إلى حدود الصفر، ومراجعة معدل الضربية إلى ما يقرب 2% وهو ما يتطابق مع إلغاء الربا ونسبة الزكاة في النظام المالي الإسلامي.
ان المعطيات الحالية القائمة تدعم الأخذ بجوانب المعاملات المالية الإسلامية وفي نفس الوقت توجب على المختصين والمسئولين والمهتمين من المسلمين أن يجتهدوا لتعريف العالم بالنظم المالية الإسلامية كما أن الوضع يجب عليهم العمل على تطوير عمل المؤسسات المالية الإسلامية وبما يخدم التطورات السريعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي خاصة في جوانبه المالية والتجارية والاستثمارية.
العالم بحاجة إلى ابتكار نظام اقتصادي جديد
لقد بينت الأزمة أن التوسع المستقر في الاقتصاد العالمي بسبب زيادة درجة اندماج الاقتصاديات قد ترافق مع كثير من الاختلالات في الأسواق وذلك بسبب تراخي السياسات الاقتصادية الكلية والقواعد التنظيمية مما سمح بتجاوز السرعة التي يسير بها الاقتصاد العالمي وعليه فإن دور الدولة ينبغي أن يتركز في تحقيق الاستقرار الاقتصادي والحيلولة دون اندلاع الأزمات الاقتصادية واتخاذ كل الخطوات التي من شأنها ان تعمل على زيادة رفاهية المجتمع المحلي، وتضييق التفاوت الاقتصادي بين فئاته والمساهمة في خلق عالم يتصف بالعدالة والأمن والسلام للجميع.
إن العالم بحاجة إلى ابتكار نظام اقتصادي عالمي جديد يؤدي من خلال الثروة المتزايدة إلى زيادة الرفاه البشري، وتقليص التفاوت في الثروة على مستوى التكتلات والبلدان والبلد الواحد بدلاً من النظام القائم الذي أدى إلى زيادة التفاوتات واتساع حجم الفجوة بين الأغنياء والفقراء أمماً وشعوباً وأفراداً.
وفي هذا الصدد فإنه من المهم جداً للدول النامية أن تدفع الدول الصناعية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لمراجعة المسار الاقتصادي العالمي وإدارته بشكل أفضل كجزء من مسؤوليتها في قيادة النظام الاقتصادي والنظام الدولي بشكل عام، ويأتي في مقدمة ذلك تصويب النظام النقدي والمالي الدولي المعرض للانهيارات المتكررة والمرقع بالنجدات المتتالية.
ونصح التقرير صانعي السياسات أن يبادروا إلى وضع السياسات الاقتصادية الكلية، التي تهدف إلى دعم النشاط الاقتصادي من أجل الخروج من حلقة الآثار السلبية المرتدة، وبما يساعد على احتواء التضخم والفجوة المتسعة في الناتج وعليهم إعادة بناء رؤوس الأموال المصرفية واستعادة السيولة في أسواق التمويل، كما أن عليهم اتخاذ سياسات تركز على تجنب دورات الارتفاع والانخفاض في أسعار الأصول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق