القانص يقترح رعاية عربية وعوبل يرحب بدعوة الرئيس للتصالح بشروط والمحبشي يعتبر المواطنة المتساوية هي الأساس
الغد- محمد الأحمدييخيم على المشهد السياسي في اليمن هذه الأيام حالة من القتامة بسبب الشدّ والجذب بين فرقاء العمل الحزبي والسياسي في الحكم والمعارضة، على إثر الدعوة التي وجهها حزب المؤتمر الشعبي العام "الحاكم" لأحزاب المعارضة المنضوية في إطار تحالف أحزاب "اللقاء المشترك" لاستئناف الحوار بينهما الأحد، بناء على الاتفاق بين الطرفين في فبراير الماضي الذي تم بموجبه تأجيل الانتخابات "البرلمانية" والتمديد لمجلس النواب الحالي عامين قادمين.اختيار الرئيس علي عبد الله صالح ذكرى توليه الحكم في 17 يوليو 1978، لإطلاق الدعوة لجميع الأطراف والقوى السياسية في البلد إلى الحوار من أجل "التصالح والتسامح"، حظيت باهتمام إعلامي واسع محلياً ودولياً، ليس لأنها ذات مضامين جديدة، ولكن للتوقيت الذي تزامن مع ازدياد تعقيدات الأوضاع الراهنة وتصاعد وتيرة الأزمة الوطنية واتساع دائرة المخاطر والمخاوف من تداعيات كارثية محتملة.الرئيس وفي مقال افتتاحي نشرته جريدة (الثورة) الرسمية الجمعة الماضي، دعا إلى "فتح صفحة جديدة والبدء في حوار جاد تحت مظلة الدستورية دون شروط مسبقة من أيّ طرفٍ كانَ"، مطالباً "كافةِ أطيافِ العملِ السياسيِ فيِ السلطةِ والمعارضةِ أحزاباً وعلماء ومشائخ وشخصياتٍ اجتماعيةً وثقافيةً ومنظمات مجتمعٍ مدني وغيرها، لتجاوز أحداث الفتن التي مرت بها اليمن بما فيها حرب الانفصال في صيف 94م".. والابتعاد عن ما وصفها بـ"المهاترات الإعلاميةِ".غير أن دعوة الرئيس صالح هذه تأتي فيما لا تزال أحزاب "اللقاء المشترك" المعارض، تؤكد تمسكها بجملة من الشروط للبدء في الحوار مع الحزب (الحاكم)، أبرزها، ضرورة تهيئة المناخات السياسية، بوقف ما أسمتها "الحملات العسكرية والاعتقالات والمطاردات للنشطاء السياسيين، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ودفع مرتبات المنقطعة مرتباتهم، وإطلاق الصحف الموقوفة"، حسبما جاء في رسالة "المشترك" للدكتور عبد الكريم الإرياني المستشار السياسي لرئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر المكلف بملف الحوار مع المعارضة، رداً على دعوته لاستئناف الحوار، بالإضافة إلى "وقف التعبئة الخاطئة"، حسب الرسالة، التي اشترطت أيضاً ضرورة "وضع كل قضايا البلاد على طاولة الحوار، بحيث لا يسمح بحوارات جانبية حول القضايا الملتهبة كتمرد صعدة و"الحراك" في الجنوب وغيرها ودون مشاركة فعالة، من قبل القوى السياسية التي ستشارك في الحوار... ، بما في ذلك قوى "الحراك" في الجنوب، والمتمردون "الحوثيون" والقوى السياسية في المنفى وغيرهم"..وفيما يبدو أنه استباق لوقائع الحوار المرتقب، ذهبت أحزاب "المشترك" لتأكيد حرصها على إجراء حوار جاد ومنتج مع الحزب الحاكم، ولكن وفقاً لمضامين الاتفاق الموقع بين الجانبين في فبراير الماضي، والذي بموجبه تم تعديل الدستور بحيث يتضمن التمديد لمجلس النواب الحالي وتأجيل الانتخابات البرلمانية، التي كان مقرراً إجراؤها في 27 أبريل الماضي عامين."الغد" من جانبها حاولت الوقوف على حقيقة الجدل المعلن حول إرهاصات الحوار الوطني المرتقب، من خلال الاتصالات التي أجرتها مع عدد من القيادات السياسية والحزبية، بما فيها العديد من قيادات حزب المؤتمر الشعبي (الحاكم) الذين تعذر الحصول منهم على أي تعليق حول الموقف من اشتراطات "المشترك" للبدء في الحوار، فيما آثر بعضهم عدم الرد على المكالمات الهاتفية المتكررة من طرف الصحيفة.أما الناطق الرسمي لأحزاب "اللقاء المشترك" نايف القانص من جانبه، فقد انتقد في بادئ الأمر تسميتها بالاشتراطات، وقال في حديثه لـ"الغد" إن ما طرحه "المشترك" في رسالته رداً على الدكتور الإرياني ثمرة دراسة عميقة للأزمة الوطنية القائمة، مضيفاً: "عندما طرحنا مشاركة القوى السياسية الفاعلة ومن ضمنها الحراك، والحوثيون، والمعارضة في الخارج، فإن هؤلاء جزء من الأزمة الوطنية القائمة، وأي حوار بدونهم لا يحل المشكلة أساساً".وفي ردّه على سؤال ما إذا كان يمكن أن تكون هذه الاشتراطات ضمن أجندة الحوار وليس سابقة له، قال القانص أن هذه الأمور من ضمن ما تم الاتفاق عليه سابقاً، وهي في المقدمة الأولى، مشيراً إلى أن "المشترك" دخل في جوهر القضايا أساساً، فالحراك الجنوبي "كان سببه في البداية حقوقياً وانتهى بسبب ممارسات السلطة وتعسفاتها إلى السقف الذي كنا نحذر منه"، حد قوله، لافتاً إلى أن ما وصفها بـ"الحلول الترقيعية التي اتبعتها السلطة والاستفزازات لإخواننا في الجنوب كانت السبب وراء تصاعد الأزمة هناك"، ومن تلك الاستفزازات برأيه الاستعراضات العسكرية بعيد 22 مايو "الذكرى الغالية للوطن"، حسب وصفه.
معتقلو الحراكوفي الوقت الذي تؤكد السلطة بأنها تقوم بتطبيق القانون في ما يتعلق بالأوضاع في الجنوب، وضبط المطلوبين أمنياً والمتهمين بالإخلال بالأمن ومن يقومون بقطع الطريق ومهاجمة المراكز الحكومية، ويمارسون القتل بالهوية، نفى القانص أن تكون جماعات ما يسمى بـ"الحراك" هي من تقوم بالقتل بالهوية، مضيفاً بأن الحاصل هو أن ما تقوم به السلطة مخالفة للدستور ومخالف لما اتخذته من قرارات سابقة، ومن تلك القرارات عدم الاحتفالات العسكرية بعيد 22 مايو ، متهماً السلطة بأنها "بذلك تثير الفتنة"، وأنها تقوم "باختراق الحراك بعناصر، سواء من خلال ما أسمتها لجان الدفاع عن الوحدة، أو عناصر أمنية، هي التي أحدثت كل القلاقل في المحافظات الجنوبية".أما عن دعوة رئيس الجمهورية، في مقاله الافتتاحي بجريدة (الثورة)، إلى "التسامح والتصالح مع كل القوى السياسية وإلى الحوار تحت سقف المؤسسات الدستورية وفتح صفحة جديدة"، فقد جاء رد ناطق "المشترك" بأنه "متى ما أراد الرئيس نفسه أن يخرب كل ما اتفق عليه يطلق مبادرات جديدة، مثلما حصل بعد حوارات 2007 عندما أطلق مبادرة الحكم الرئاسي للهروب من الاتفاقات التي تم التوقيع عليها بين السلطة والمعارضة".وأردف بأنه "إذا كان الرئيس يخطب قبل أيام ويتهم الناس بالانفصال فكيف يطلب اليوم بفتح صفحة جديدة"، مضيفاً: "طالما فتحنا صفحات جديدة لكن لا يوجد مصداقية لما يدعو إليه".لكنه في سياق تأكيده على حرص أحزاب "المشترك" على الحوار الوطني، اعتبر القانص بأن لجوءهم إلى التشاور الوطني وما تمخض عنه من لجنة للحوار تضم العديد من الأحزاب السياسية والشخصيات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني وأعضاء مجلس نواب حتى من الحزب الحاكم كله يصب في هذا الاتجاه.
نفور ومخاوفوفي خضم هذه الأجواء المتنافرة بين شركاء العملية السياسية في البلد بشأن الحوار الوطني، فإنه لا يخفي مراقبون ومحللون سياسيون مخاوفهم من أن لا تسفر جلسات الحوار المرتقبة بين هذه الأطراف في ظل هذه النفسية، إلا عن مزيد من التأزيم للعلاقات بينها، وهو ما سينعكس بالتالي سلباً على الأوضاع المتأزمة أصلاً. ويبدو أن الهوة القائمة حالياً بين الحزب الحاكم وأحزاب "المشترك" بشأن الحوار المنتظر، ليست على أساس الموقف من القضايا الوطنية فحسب، بل ثمة حساسية مفرطة من الجانبين كما يبدو من أساليب التواصل بينهما وطريقة التخاطب التي تتضمنها الرسائل المتبادلة، ذلك ما كشفت عنه تصريحات الناطق الرسمي لأحزاب "المشترك" لـ"الغد"، والذي عبر عن امتعاضه من صيغة الرسالة التي تلقتها أحزاب "المشترك" نهاية الأسبوع المنصرم من طرف الدكتور الإرياني والمتضمنة دعوتها للبدء بالحوار على أن تكون أول جلسة مفترضة أمس الأحد، حيث قال ناطق "المشترك" بأنهم أرسلوا رسالة، "إلا أن المؤتمر ردّ برسالة تتضمن صيغة الأمر للبدء بالحوار يوم الأحد وفي تمام الرابعة والنصف بمنزل عبد الكريم الإرياني".وفيما تساءل القانص: "من الذي ينفّر من الحوار؟!"، أردف قائلاً بأن "المؤتمر بهذه الرسالة يأمرنا وكأننا جزء من مملكته أو فرع من فروع الحزب الحاكم"، منتقداً طريقة حزب المؤتمر في تحديده الزمان والمكان، كما أشار في ذات الوقت إلى أنه يصعب "الدخول في حوار حول تعديل قانون الانتخابات وما انتخابات بينما البلاد تحترق من جنوبها إلى شمالها".الناطق باسم "المشترك"، شدد أيضاً على "ضرورة أن يبدأ الحزب الحاكم بتهيئة المناخات السياسية المناسبة للحوار تنفيذاً للاتفاق الموقع عليه، قبل أن يتوجه بالأمر لاستئناف الحوار طالما أنه لا يفهم إلا لغة الأمر"، حد تعبيره.
حوارات عقيمةورغم الحوارات الطويلة التي جرت خلال السنوات الماضية بين حزب المؤتمر الشعبي الحاكم وأحزاب "المشترك" إلا أن نتائج تلك الحوارات لم تسفر سوى عن مزيد من تأزيم المشهد السياسي، بل صارت قيادات الأحزاب المتحاورة نفسها تطلق على تلك الحوارات بـ"حوار الطرشان" علاوة على الاتهامات المتبادلة بين كلا الطرفين لجهة عدم الالتزام بنتائج تلك الحوارات والاتفاقات التي أسفرت عنها، وهو ما يشير إلى أهمية وجود ضمانات معينة لإنجاح الحوار المرتقب من قبيل الاستعانة بجهات محلية أو حتى عربية أو إقليمية للإشراف على عملية إجراء الحوار بين الأحزاب، كما يشير البعض، وصولاً إلى صيغة متفق عليها للخروج من الأزمة، ومن ثم تحديد برنامج زمني للتنفيذ تحت إشراف تلك الجهات.غير أن الناطق الإعلامي لـ"المشترك" نايف القانص، قال في حديثه لـ"الغد" حول موقف أحزاب "المشترك" من هذه النقطة، "بأنه لو حكمنا العقل والمنطق ووجدت المصداقية لدى السلطة لما كان هناك حاجة إلى مثل هذا، لكن طالما وأنهم يحاولون تحميل الآخرين مسؤولية عرقلة الحوار فإنه من الطبيعي أن يكون هناك إشراف من الجامعة العربية أو من قبل إخواننا العرب ممن لديهم الحرص على مصلحة اليمن ووحدته".واقترح القانص بأن تكون هناك مبادرة عربية بهذا الشأن، على أن تكون من دولة عربية "مخلصة"، "وليس من الدول العربية التي تظهر الرحمة وتبطن العذاب".
مع الحوار ولكن!الدكتور/ عبدالله عوبل أمين عام التجمع الوحدوي اليمني "المعارض"، من جانبه أكد بأن حزبه كقوة سياسية "مع أي حوار وطني جاد لجميع القوى السياسية في البلاد بدون استثناء ومع أي حوار يناقش كل قضايا الأزمة القائمة". مضيفاً: "نحن لا نطرح أي اشتراطات مسبقة للحوار، فقط نتمنى أن يكون هذا الحوار وطنياً يشمل كل القوى السياسية الموجودة وأن يناقش كل قضايا الوطن بطريقة هادئة ومسؤولة، وأن يصل إلى نتائج حقيقية تنقلنا من قعر الأزمة إلى رحاب التنمية"، معبراً في ذات السياق عن ترحيبه بدعوة الرئيس علي عبدالله صالح للتسامح والتصالح والحوار إذا كانت في هذا الإطار.وحول اشتراطات "اللقاء المشترك" للبدء بالحوار، قال الدكتور عوبل أن إطلاق الصحف الموقوفة والإفراج عن السجناء السياسيين يفترض أن تكون مبادرة من قبل حزب المؤتمر كبادرة حسن نية، وأن يقوم بهذه الخطوات التي يمكن أن تكون دليلاً على جديته ومصداقيته. ولكن في ما يتعلق بتوقيت طرح هذه الاشتراطات الآن، وما إذا كان يمكن أن تكون على طاولة الحوار أثناء الحوار وليس قبل، رأى الدكتور عوبل بأن قضية الحوار شيء وقضية السجناء وإطلاق الحريات شيء آخر، منوهاً إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك حوار جدي في ظل توقيف الصحف والاعتقالات، وأنه لا بد من إيجاد مناخ آمن للحوار، وأضاف قائلاً بأنه "إذا أجرى الحوار مع وجود الناس في السجون وإيقاف الصحف فهذا يعني عدم وجود أفق لهذا الحوار، وعدم توفر نية للوصول إلى حل جدي للمشكلة"، حد تعبيره.وفي الوقت الذي تشترط أحزاب "المشترك" إشراك قوى سياسية كـ"الحوثيين" ومعارضة الخارج في عملية الحوار، فإنه لا يمكن الجزم ما إذا كانت هذه القوى ستقبل بالجلوس على طاولة الحوار أصلاً، حيث يبدو أن لها أجندة مختلفة، خصوصاً ما يعرف بـ"معارضة الخارج" التي باتت تطالب بالانفصال وعودة ما تسميه "دولة الجنوب العربي"، وفي هذا السياق يرى الدكتور عوبل بأن الحديث الآن "عن حوار وطني تحت سقف الوحدة والديمقراطية كشرط من شروط الحوار".وبموازاة الحديث عن رعاية عربية للحوار بين الأحزاب، يرى الدكتور عوبل بأنه لا بأس إن وجدت جهات إقليمية أو عربية كالجامعة العربية من أجل المساعدة فقط لإنجاح الحوار من باب تقديم الدعم والمساندة لإنجاح مشروع الخروج من الأزمة، لكن الأهم – برأيه - توفر النية الصادقة والجدية لدى الأطراف السياسية في الداخل تجاه الحوار.رأي مختلفولكن أبعد من ذلك، يرى المحلل السياسي والأستاذ الجامعي في جامعة عدن الدكتور قاسم المحبشي، أن الحوار "لا يمكن أن يجري إلا بين الأنداد، أو بين ناس متساوين في الفرص والقوة، وبين مواطنين على أرضية واحدة، وليس بين صاحب قوة وفاقدها"، متابعاً: تتحاور مع من؟ هل تتحاور مع شخص رافع سيفاً على رأسك؟!. وقال الدكتور المحبشي أنه لا بد من الاعتراف بالآخر حتى يمكن التحاور معه، وهذا لن يتأتى – برأيه - إلا من خلال امتلاك القوة السياسية التي تجعل الجميع على قدر متساو من المواطنة"، حسب تعبيره، مضيفاً بأن "نجل أحد مشائخ حاشد مثلاً لديه قوة سياسية تساوي ما عند كل الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة".وتابع بأنه لا يوجد في اليمن مجتمع ديمقراطي سلمي أصلاً، وبالتالي لا توجد معارضة حقيقية، معتبراً بأن اليمن في حالة حرب منذ ثورة 26 سبتمبر، التي وصفها بأنها "انقلاب".لكنه في ما يتعلق برؤيته لاشتراط أحزاب "المشترك" انضمام جماعات "الحراك الجنوبي" إلى طاولة الحوار مع الحاكم، أكد بأنه مع المعارضة في اشتراطها إشراك هذه القوى في الحوار، لكنه ذهب إلى الحديث من وجهة نظره عن الأوضاع القائمة في البلد، قائلاً أن ما هو موجود الآن هو "أمراء حرب ومتعيشون ومواجهة حربية مستمرة في الشمال ومقاومة حرب سلمية في الجنوب وعجز مدني في الوسط".. معتبراً المعارضة الموجودة في اليمن "معارضة أخلاقية ديكورية وليست سياسية".
وماذا بعد؟!وبينما يستمر الجدل بين أطراف اللعبة السياسية في الحكم والمعارضة حول الحوار، تشير مصادر صحفية إلى وجود خلافات داخل أحزاب "اللقاء المشترك" نفسه حول خيارات هذه الأحزاب في المرحلة المقبلة، حيث ذكرت أسبوعية "النداء" المستقلة بأن الخلافات ظهرت في اللقاء التشاوري الذي تتبناه أحزاب "المشترك" في مايو الماضي عندما عطَّل ياسين سعيد نعمان أمين عام الحزب الاشتراكي مقترحاً للتجمع اليمني للإصلاح بتوجيه رسالة من المشاركين إلى الرئيس علي عبد الله صالح
الغد- محمد الأحمدييخيم على المشهد السياسي في اليمن هذه الأيام حالة من القتامة بسبب الشدّ والجذب بين فرقاء العمل الحزبي والسياسي في الحكم والمعارضة، على إثر الدعوة التي وجهها حزب المؤتمر الشعبي العام "الحاكم" لأحزاب المعارضة المنضوية في إطار تحالف أحزاب "اللقاء المشترك" لاستئناف الحوار بينهما الأحد، بناء على الاتفاق بين الطرفين في فبراير الماضي الذي تم بموجبه تأجيل الانتخابات "البرلمانية" والتمديد لمجلس النواب الحالي عامين قادمين.اختيار الرئيس علي عبد الله صالح ذكرى توليه الحكم في 17 يوليو 1978، لإطلاق الدعوة لجميع الأطراف والقوى السياسية في البلد إلى الحوار من أجل "التصالح والتسامح"، حظيت باهتمام إعلامي واسع محلياً ودولياً، ليس لأنها ذات مضامين جديدة، ولكن للتوقيت الذي تزامن مع ازدياد تعقيدات الأوضاع الراهنة وتصاعد وتيرة الأزمة الوطنية واتساع دائرة المخاطر والمخاوف من تداعيات كارثية محتملة.الرئيس وفي مقال افتتاحي نشرته جريدة (الثورة) الرسمية الجمعة الماضي، دعا إلى "فتح صفحة جديدة والبدء في حوار جاد تحت مظلة الدستورية دون شروط مسبقة من أيّ طرفٍ كانَ"، مطالباً "كافةِ أطيافِ العملِ السياسيِ فيِ السلطةِ والمعارضةِ أحزاباً وعلماء ومشائخ وشخصياتٍ اجتماعيةً وثقافيةً ومنظمات مجتمعٍ مدني وغيرها، لتجاوز أحداث الفتن التي مرت بها اليمن بما فيها حرب الانفصال في صيف 94م".. والابتعاد عن ما وصفها بـ"المهاترات الإعلاميةِ".غير أن دعوة الرئيس صالح هذه تأتي فيما لا تزال أحزاب "اللقاء المشترك" المعارض، تؤكد تمسكها بجملة من الشروط للبدء في الحوار مع الحزب (الحاكم)، أبرزها، ضرورة تهيئة المناخات السياسية، بوقف ما أسمتها "الحملات العسكرية والاعتقالات والمطاردات للنشطاء السياسيين، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين ودفع مرتبات المنقطعة مرتباتهم، وإطلاق الصحف الموقوفة"، حسبما جاء في رسالة "المشترك" للدكتور عبد الكريم الإرياني المستشار السياسي لرئيس الجمهورية ونائب رئيس المؤتمر المكلف بملف الحوار مع المعارضة، رداً على دعوته لاستئناف الحوار، بالإضافة إلى "وقف التعبئة الخاطئة"، حسب الرسالة، التي اشترطت أيضاً ضرورة "وضع كل قضايا البلاد على طاولة الحوار، بحيث لا يسمح بحوارات جانبية حول القضايا الملتهبة كتمرد صعدة و"الحراك" في الجنوب وغيرها ودون مشاركة فعالة، من قبل القوى السياسية التي ستشارك في الحوار... ، بما في ذلك قوى "الحراك" في الجنوب، والمتمردون "الحوثيون" والقوى السياسية في المنفى وغيرهم"..وفيما يبدو أنه استباق لوقائع الحوار المرتقب، ذهبت أحزاب "المشترك" لتأكيد حرصها على إجراء حوار جاد ومنتج مع الحزب الحاكم، ولكن وفقاً لمضامين الاتفاق الموقع بين الجانبين في فبراير الماضي، والذي بموجبه تم تعديل الدستور بحيث يتضمن التمديد لمجلس النواب الحالي وتأجيل الانتخابات البرلمانية، التي كان مقرراً إجراؤها في 27 أبريل الماضي عامين."الغد" من جانبها حاولت الوقوف على حقيقة الجدل المعلن حول إرهاصات الحوار الوطني المرتقب، من خلال الاتصالات التي أجرتها مع عدد من القيادات السياسية والحزبية، بما فيها العديد من قيادات حزب المؤتمر الشعبي (الحاكم) الذين تعذر الحصول منهم على أي تعليق حول الموقف من اشتراطات "المشترك" للبدء في الحوار، فيما آثر بعضهم عدم الرد على المكالمات الهاتفية المتكررة من طرف الصحيفة.أما الناطق الرسمي لأحزاب "اللقاء المشترك" نايف القانص من جانبه، فقد انتقد في بادئ الأمر تسميتها بالاشتراطات، وقال في حديثه لـ"الغد" إن ما طرحه "المشترك" في رسالته رداً على الدكتور الإرياني ثمرة دراسة عميقة للأزمة الوطنية القائمة، مضيفاً: "عندما طرحنا مشاركة القوى السياسية الفاعلة ومن ضمنها الحراك، والحوثيون، والمعارضة في الخارج، فإن هؤلاء جزء من الأزمة الوطنية القائمة، وأي حوار بدونهم لا يحل المشكلة أساساً".وفي ردّه على سؤال ما إذا كان يمكن أن تكون هذه الاشتراطات ضمن أجندة الحوار وليس سابقة له، قال القانص أن هذه الأمور من ضمن ما تم الاتفاق عليه سابقاً، وهي في المقدمة الأولى، مشيراً إلى أن "المشترك" دخل في جوهر القضايا أساساً، فالحراك الجنوبي "كان سببه في البداية حقوقياً وانتهى بسبب ممارسات السلطة وتعسفاتها إلى السقف الذي كنا نحذر منه"، حد قوله، لافتاً إلى أن ما وصفها بـ"الحلول الترقيعية التي اتبعتها السلطة والاستفزازات لإخواننا في الجنوب كانت السبب وراء تصاعد الأزمة هناك"، ومن تلك الاستفزازات برأيه الاستعراضات العسكرية بعيد 22 مايو "الذكرى الغالية للوطن"، حسب وصفه.
معتقلو الحراكوفي الوقت الذي تؤكد السلطة بأنها تقوم بتطبيق القانون في ما يتعلق بالأوضاع في الجنوب، وضبط المطلوبين أمنياً والمتهمين بالإخلال بالأمن ومن يقومون بقطع الطريق ومهاجمة المراكز الحكومية، ويمارسون القتل بالهوية، نفى القانص أن تكون جماعات ما يسمى بـ"الحراك" هي من تقوم بالقتل بالهوية، مضيفاً بأن الحاصل هو أن ما تقوم به السلطة مخالفة للدستور ومخالف لما اتخذته من قرارات سابقة، ومن تلك القرارات عدم الاحتفالات العسكرية بعيد 22 مايو ، متهماً السلطة بأنها "بذلك تثير الفتنة"، وأنها تقوم "باختراق الحراك بعناصر، سواء من خلال ما أسمتها لجان الدفاع عن الوحدة، أو عناصر أمنية، هي التي أحدثت كل القلاقل في المحافظات الجنوبية".أما عن دعوة رئيس الجمهورية، في مقاله الافتتاحي بجريدة (الثورة)، إلى "التسامح والتصالح مع كل القوى السياسية وإلى الحوار تحت سقف المؤسسات الدستورية وفتح صفحة جديدة"، فقد جاء رد ناطق "المشترك" بأنه "متى ما أراد الرئيس نفسه أن يخرب كل ما اتفق عليه يطلق مبادرات جديدة، مثلما حصل بعد حوارات 2007 عندما أطلق مبادرة الحكم الرئاسي للهروب من الاتفاقات التي تم التوقيع عليها بين السلطة والمعارضة".وأردف بأنه "إذا كان الرئيس يخطب قبل أيام ويتهم الناس بالانفصال فكيف يطلب اليوم بفتح صفحة جديدة"، مضيفاً: "طالما فتحنا صفحات جديدة لكن لا يوجد مصداقية لما يدعو إليه".لكنه في سياق تأكيده على حرص أحزاب "المشترك" على الحوار الوطني، اعتبر القانص بأن لجوءهم إلى التشاور الوطني وما تمخض عنه من لجنة للحوار تضم العديد من الأحزاب السياسية والشخصيات الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدني وأعضاء مجلس نواب حتى من الحزب الحاكم كله يصب في هذا الاتجاه.
نفور ومخاوفوفي خضم هذه الأجواء المتنافرة بين شركاء العملية السياسية في البلد بشأن الحوار الوطني، فإنه لا يخفي مراقبون ومحللون سياسيون مخاوفهم من أن لا تسفر جلسات الحوار المرتقبة بين هذه الأطراف في ظل هذه النفسية، إلا عن مزيد من التأزيم للعلاقات بينها، وهو ما سينعكس بالتالي سلباً على الأوضاع المتأزمة أصلاً. ويبدو أن الهوة القائمة حالياً بين الحزب الحاكم وأحزاب "المشترك" بشأن الحوار المنتظر، ليست على أساس الموقف من القضايا الوطنية فحسب، بل ثمة حساسية مفرطة من الجانبين كما يبدو من أساليب التواصل بينهما وطريقة التخاطب التي تتضمنها الرسائل المتبادلة، ذلك ما كشفت عنه تصريحات الناطق الرسمي لأحزاب "المشترك" لـ"الغد"، والذي عبر عن امتعاضه من صيغة الرسالة التي تلقتها أحزاب "المشترك" نهاية الأسبوع المنصرم من طرف الدكتور الإرياني والمتضمنة دعوتها للبدء بالحوار على أن تكون أول جلسة مفترضة أمس الأحد، حيث قال ناطق "المشترك" بأنهم أرسلوا رسالة، "إلا أن المؤتمر ردّ برسالة تتضمن صيغة الأمر للبدء بالحوار يوم الأحد وفي تمام الرابعة والنصف بمنزل عبد الكريم الإرياني".وفيما تساءل القانص: "من الذي ينفّر من الحوار؟!"، أردف قائلاً بأن "المؤتمر بهذه الرسالة يأمرنا وكأننا جزء من مملكته أو فرع من فروع الحزب الحاكم"، منتقداً طريقة حزب المؤتمر في تحديده الزمان والمكان، كما أشار في ذات الوقت إلى أنه يصعب "الدخول في حوار حول تعديل قانون الانتخابات وما انتخابات بينما البلاد تحترق من جنوبها إلى شمالها".الناطق باسم "المشترك"، شدد أيضاً على "ضرورة أن يبدأ الحزب الحاكم بتهيئة المناخات السياسية المناسبة للحوار تنفيذاً للاتفاق الموقع عليه، قبل أن يتوجه بالأمر لاستئناف الحوار طالما أنه لا يفهم إلا لغة الأمر"، حد تعبيره.
حوارات عقيمةورغم الحوارات الطويلة التي جرت خلال السنوات الماضية بين حزب المؤتمر الشعبي الحاكم وأحزاب "المشترك" إلا أن نتائج تلك الحوارات لم تسفر سوى عن مزيد من تأزيم المشهد السياسي، بل صارت قيادات الأحزاب المتحاورة نفسها تطلق على تلك الحوارات بـ"حوار الطرشان" علاوة على الاتهامات المتبادلة بين كلا الطرفين لجهة عدم الالتزام بنتائج تلك الحوارات والاتفاقات التي أسفرت عنها، وهو ما يشير إلى أهمية وجود ضمانات معينة لإنجاح الحوار المرتقب من قبيل الاستعانة بجهات محلية أو حتى عربية أو إقليمية للإشراف على عملية إجراء الحوار بين الأحزاب، كما يشير البعض، وصولاً إلى صيغة متفق عليها للخروج من الأزمة، ومن ثم تحديد برنامج زمني للتنفيذ تحت إشراف تلك الجهات.غير أن الناطق الإعلامي لـ"المشترك" نايف القانص، قال في حديثه لـ"الغد" حول موقف أحزاب "المشترك" من هذه النقطة، "بأنه لو حكمنا العقل والمنطق ووجدت المصداقية لدى السلطة لما كان هناك حاجة إلى مثل هذا، لكن طالما وأنهم يحاولون تحميل الآخرين مسؤولية عرقلة الحوار فإنه من الطبيعي أن يكون هناك إشراف من الجامعة العربية أو من قبل إخواننا العرب ممن لديهم الحرص على مصلحة اليمن ووحدته".واقترح القانص بأن تكون هناك مبادرة عربية بهذا الشأن، على أن تكون من دولة عربية "مخلصة"، "وليس من الدول العربية التي تظهر الرحمة وتبطن العذاب".
مع الحوار ولكن!الدكتور/ عبدالله عوبل أمين عام التجمع الوحدوي اليمني "المعارض"، من جانبه أكد بأن حزبه كقوة سياسية "مع أي حوار وطني جاد لجميع القوى السياسية في البلاد بدون استثناء ومع أي حوار يناقش كل قضايا الأزمة القائمة". مضيفاً: "نحن لا نطرح أي اشتراطات مسبقة للحوار، فقط نتمنى أن يكون هذا الحوار وطنياً يشمل كل القوى السياسية الموجودة وأن يناقش كل قضايا الوطن بطريقة هادئة ومسؤولة، وأن يصل إلى نتائج حقيقية تنقلنا من قعر الأزمة إلى رحاب التنمية"، معبراً في ذات السياق عن ترحيبه بدعوة الرئيس علي عبدالله صالح للتسامح والتصالح والحوار إذا كانت في هذا الإطار.وحول اشتراطات "اللقاء المشترك" للبدء بالحوار، قال الدكتور عوبل أن إطلاق الصحف الموقوفة والإفراج عن السجناء السياسيين يفترض أن تكون مبادرة من قبل حزب المؤتمر كبادرة حسن نية، وأن يقوم بهذه الخطوات التي يمكن أن تكون دليلاً على جديته ومصداقيته. ولكن في ما يتعلق بتوقيت طرح هذه الاشتراطات الآن، وما إذا كان يمكن أن تكون على طاولة الحوار أثناء الحوار وليس قبل، رأى الدكتور عوبل بأن قضية الحوار شيء وقضية السجناء وإطلاق الحريات شيء آخر، منوهاً إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك حوار جدي في ظل توقيف الصحف والاعتقالات، وأنه لا بد من إيجاد مناخ آمن للحوار، وأضاف قائلاً بأنه "إذا أجرى الحوار مع وجود الناس في السجون وإيقاف الصحف فهذا يعني عدم وجود أفق لهذا الحوار، وعدم توفر نية للوصول إلى حل جدي للمشكلة"، حد تعبيره.وفي الوقت الذي تشترط أحزاب "المشترك" إشراك قوى سياسية كـ"الحوثيين" ومعارضة الخارج في عملية الحوار، فإنه لا يمكن الجزم ما إذا كانت هذه القوى ستقبل بالجلوس على طاولة الحوار أصلاً، حيث يبدو أن لها أجندة مختلفة، خصوصاً ما يعرف بـ"معارضة الخارج" التي باتت تطالب بالانفصال وعودة ما تسميه "دولة الجنوب العربي"، وفي هذا السياق يرى الدكتور عوبل بأن الحديث الآن "عن حوار وطني تحت سقف الوحدة والديمقراطية كشرط من شروط الحوار".وبموازاة الحديث عن رعاية عربية للحوار بين الأحزاب، يرى الدكتور عوبل بأنه لا بأس إن وجدت جهات إقليمية أو عربية كالجامعة العربية من أجل المساعدة فقط لإنجاح الحوار من باب تقديم الدعم والمساندة لإنجاح مشروع الخروج من الأزمة، لكن الأهم – برأيه - توفر النية الصادقة والجدية لدى الأطراف السياسية في الداخل تجاه الحوار.رأي مختلفولكن أبعد من ذلك، يرى المحلل السياسي والأستاذ الجامعي في جامعة عدن الدكتور قاسم المحبشي، أن الحوار "لا يمكن أن يجري إلا بين الأنداد، أو بين ناس متساوين في الفرص والقوة، وبين مواطنين على أرضية واحدة، وليس بين صاحب قوة وفاقدها"، متابعاً: تتحاور مع من؟ هل تتحاور مع شخص رافع سيفاً على رأسك؟!. وقال الدكتور المحبشي أنه لا بد من الاعتراف بالآخر حتى يمكن التحاور معه، وهذا لن يتأتى – برأيه - إلا من خلال امتلاك القوة السياسية التي تجعل الجميع على قدر متساو من المواطنة"، حسب تعبيره، مضيفاً بأن "نجل أحد مشائخ حاشد مثلاً لديه قوة سياسية تساوي ما عند كل الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة".وتابع بأنه لا يوجد في اليمن مجتمع ديمقراطي سلمي أصلاً، وبالتالي لا توجد معارضة حقيقية، معتبراً بأن اليمن في حالة حرب منذ ثورة 26 سبتمبر، التي وصفها بأنها "انقلاب".لكنه في ما يتعلق برؤيته لاشتراط أحزاب "المشترك" انضمام جماعات "الحراك الجنوبي" إلى طاولة الحوار مع الحاكم، أكد بأنه مع المعارضة في اشتراطها إشراك هذه القوى في الحوار، لكنه ذهب إلى الحديث من وجهة نظره عن الأوضاع القائمة في البلد، قائلاً أن ما هو موجود الآن هو "أمراء حرب ومتعيشون ومواجهة حربية مستمرة في الشمال ومقاومة حرب سلمية في الجنوب وعجز مدني في الوسط".. معتبراً المعارضة الموجودة في اليمن "معارضة أخلاقية ديكورية وليست سياسية".
وماذا بعد؟!وبينما يستمر الجدل بين أطراف اللعبة السياسية في الحكم والمعارضة حول الحوار، تشير مصادر صحفية إلى وجود خلافات داخل أحزاب "اللقاء المشترك" نفسه حول خيارات هذه الأحزاب في المرحلة المقبلة، حيث ذكرت أسبوعية "النداء" المستقلة بأن الخلافات ظهرت في اللقاء التشاوري الذي تتبناه أحزاب "المشترك" في مايو الماضي عندما عطَّل ياسين سعيد نعمان أمين عام الحزب الاشتراكي مقترحاً للتجمع اليمني للإصلاح بتوجيه رسالة من المشاركين إلى الرئيس علي عبد الله صالح
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق