الأحد، 12 يوليو 2009

آل الأحمر» وانقسامات النخبة الحاكمة

شهدت الأسابيع القليلة الماضية عودة قوية للشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وأبنائه إلى واجهة الأحداث داخل البلاد وبطريقة لم تذكر الناس فقط بأخطر انقسام من انقسامات النخبة الحاكمة ولكنها بينت أيضاً المدى الذي وصل إليه ذلك الانقسام، وسواء اختلف الناس أو اتفقوا مع ما يطرحونه، فإن «آل الأحمر» قد أعلنوا من خلال عودتهم القوية وبأساليب مختلفة بأنهم جزءاً هاماً من المعادلة السياسية وخطاً لا يمكن تجاوزه اليوم كما لم يكن بالإمكان تجاوزه في السابق، وقد جاءت تلك العودة من خلال مذكرات الشيخ الأب الذي غيبه المرض خلال الفترة السابقة في المملكة العربية السعودية..ومن خلال المهرجان الحاشد الذي دعا إليه الشيخ حسين الأحمر في مدينة خمر التي شهدت تاريخياً الكثير من الحشود المماثلة في لحظات التأزم الوطني، ولم يكن القيادي الإصلاحي وعضو مجلس النواب ورجل الأعمال الشيخ حميد الأحمر بغائب عن الحدث، وقد عاد صوته المعارض من خلال مقابلتين صحفيتين إحداهما في صحيفة الأهالي والأخرى في الموقع الشبابي «حوار».
مذكرات الشيخ الأبكان الأستاذ علي الجرادي قد كتب في صحيفة الناس قبل انتخابات رئاسة مجلس النواب الأخيرة في بداية عام 2006م مقالاً يتساءل فيه عما إذا كان الأوان قد آن لأن يلقي الشيخ عصاه، وكان الجرادي يخشى أن تحدث عملية مقايضة بين «الشيخ» و»الرئيس» وبحيث تنتهي تلك المقايضة بتوجيه من الرئيس لأعضاء المؤتمر بانتخاب الشيخ عبد الله رئيساً للبرلمان وبضغوط من الشيخ على الإصلاح تجعله إما يتبنى الرئيس كمرشح عن الإصلاح كما حدث في عام 1999م أو يمتنع عن إنزال مرشح منافس للرئيس، ولم تكن مخاوف الجرادي بدون مبرر، وكان كاتب هذه السطور بدوره من أكثر المحذرين من النتائج التي ستترتب على إلقاء الشيخ لعصاه بالنسبة للاستقرار السياسي في البلاد، وقد كتب مقالاً مطولاً بعنوان «عصا الشيخ واستقرار اليمن» حلل فيه الصراع بين الشيخ الأحمر وأبنائه من جهة وبين الرئيس والمقربين منه ومن حوله من جهة أخرى، وحذر من العواقب الوخيمة للصراع داخل حاشد على الاستقرار السياسي في البلاد، وكان من الواضح أن أيادي حاشد قد «تفرقت» وأن التحالف القبلي الذي سيطر بقوة بالحق أو بالباطل على أكبر حزبين على الساحة وعلى السلطتين التشريعية والتنفيذية وعلى المواقع العسكرية والأمنية قد انقسم على الأقل إلى محورين. ولم يحدث ما تخوف منه الجرادي فرغم أن الرئيس وجه نواب المؤتمر بانتخاب «شيخ قبيلته» رئيساً للبرلمان فإن ذلك لم يكن ليعني الكثير في ظل سيطرة حزب الرئيس على مفاصل البرلمان وفي ظل توجه بدا واضحاً لتصفية نفوذ الشيخ وأنجاله وبالتالي نفوذ حاشد ذاتها، ويمكن إرجاع التوجه الجديد للنظام ومحاولة الانتقال بالعلاقة بين قطبي حاشد من الشراكة والتحالف إلى الصراع إلى ثلاثة عوامل على الأقل:من جهة أولى: إن مقتضيات التوريث للسلطة قد استدعت إعادة هيكلة للنظام بما في ذلك التخلص من الحلفاء السياسيين الذين يمكن أن يشكلوا عقبة أمام الأبناء سواء في الحاضر أو في المستقبل، وقد أدت معارضة الشيخ الأب وأبنائه لمشروع التوريث إلى تزايد القلق داخل دوائر النظام وبالتالي زيادة حدة الصراع.من جهة ثانية: إن بعض الأجنحة داخل النخبة الحاكمة رأت في هيمنة حاشد على البلاد وخصوصا في الفترة اللاحقة على حرب عام 1994م عائقا أمامها في سعيها لنيل نصيبها من السلطة والثروة، ولذلك عملت تلك القوى على إضعاف الشيخ والرئيس معا وبالتالي إضعاف القبيلة المسيطرة على السلطة وشرذمتها. من جهة ثالثة، أدت تصرفات كل طرف في إدارة الصراع، وخصوصا السلطة، إلى تعميقه وأصبحت كل حلقة من حلقات الصراع سببا للحلقات التالية. وأدت تلك الأسباب مجتمعة إلى إضعاف التأثير الذي كان متوقعا من خطوة الرئيس المتصلة برئيس البرلمان، ومارست بعض الأجنحة في النخبة الحاكمة دعاية مركزة ضد الشيخ وأنجاله وضد حزب الإصلاح والقوى المرتبطة به وذلك بهدف دفعهم إلى إنزال منافس للرئيس وبما يكفل ضرب التحالف الحاشدي وشغل الشيخ الأب بمرضه عن حمى الانتخابات وصراع الأحزاب وترك الأمر كله لقادة الإصلاح ليقرروا ما يرونه مناسباً، وفي الوقت الذي كان فيه الإصلاح وأحزاب المعارضة الأخرى قد اصطفت خلف المهندس فيصل بن شملان فإن الشيخ عبد الله الذي كان حينها في رحلة خارج البلاد للعلاج اكتفى بموقف رمزي أعلن من خلاله تأييده الشخصي لعلي عبد الله صالح كمرشح للرئاسة، ورغم أن موقف الشيخ فتح الباب واسعا أمام أي جهود لترميم الشق الكبير داخل حاشد إلا أن ما حدث بعد الانتخابات هو أن النظام وبدلاً من العمل على احتواء الاختلافات سعى إلى تعميقها، ولعبت الصحف التابعة للأجنحة المتصارعة داخل النخبة دورها في تعميق الخلافات ومنع محاولات التقارب، وتم الزج بالجيش والأجهزة الأمنية كطرف في الصراع بشكل أو بآخر. وهناك اليوم مؤشرات عديدة على أن الشيخ الأب ربما قد قرر -وبسبب حالته الصحية- أن يلقي عصاه، فلم يغادر الشيخ البلاد في نهاية مايو الماضي إلا وقد ألبس إبنه الأكبر صادق «جنبيته» في إشارة واضحة إلى انتقال السلطة «المشيخية» من الشيخ الأب إلى الإبن الأكبر والذي يشغل حالياً مقعداً في مجلس الشورى، ويجيء نشر مذكرات الشيخ في هذا الظرف التأريخي كمؤشر آخر على أن الشيخ ربما قد قرر بأن يلقي عصاه، ولا يمثل ظهور المذكرات في هذا الظرف بالذات فقط تذكيراً بالشيخ وأدواره ولكنه يمثل أيضاً تأكيداً على محورية وجوهرية الدور الذي لعبته أسرته وقبيلته، وبالتالي على شرعية الدور السياسي «لآل الأحمر» وعلى تمسكهم بذلك الدور، وربما أراد الشيخ من نشر مذكراته في هذا الوقت بالذات أن يبعث رسالة هامة إلى الجميع وهي أنه شخصياً ليس مسئولاً عما يحدث اليوم في البلاد. وبرغم ازدحام المشهد السياسي فإن مذكرات الشيخ الأب أثارت منذ ظهورها الكثير من ردود الأفعال سواء على صفحات الصحف أو في المواقع الإخبارية على الإنترنت، وبرغم العمومية التي اتصفت بها المذكرات إلا أنها أتسمت بقوة الطرح والاعتزاز بالذات، ولعل عمومية الصياغة قد جاءت بسبب الطريقة التي تم بها تدوين المذكرات، فمن الواضح أنه تم تسجيل صوت الشيخ على أشرطة تسجيل وبعدها تم تفريغ الأشرطة إلى الصفحات، ولذلك يشعر القارئ للمذكرات في الكثير من الأجزاء وكأنه يستمع لصوت الشيخ وهو يسرد ويفسر ما أمكن له تذكره. ولعل أجمل ما في المذكرات هو أنها خلت من أي محاولة للتنميق أو إعادة قراءة التاريخ على ضوء المعطيات الحالية، وهو ما يفعله عادة الكثيرون ممن يكتبون مذكراتهم.لقد كان الشيخ أمينا إلى أقصى الحدود في الحديث عن أدواره تاركاً للآخرين مهمة الجدل حولها أو الحكم عليها، ولم يبال الشيخ بردود الفعل التي يمكن أن تظهر سواء في الداخل أو في الخارج لهذه العبارة أو تلك، وفضل الشيخ أن يقدم لمؤيديه ومعارضيه على السواء ما يمكن أن يستخدموه في كتاباتهم، وتعكس المذكرات الأسلوب السياسي للشيخ، وهو الأسلوب المباشر الذي لا يعتمد على المراوغة أو المكر والخداع والذي ينظر إلى العالم بكل بساطة وينطلق من ثقته بالنفس في غير غرور ومن الشعور بغياب الحاجة لأن يظهر نفسه بشكل مختلف..ويظهر الأسلوب السياسي للشيخ الأب من خلال الكلمات التي بدأ بها مذكراته والتي أكد فيها على أن ما يتذكره من شريط الحياة هو شيء قليل بالقياس إلى الأحداث والمواقف التي عاصرها حيث يقول الشيخ الأب «هناك أناس همهم أن يوثقوا ويسجلوا وعندهم فرص فراغ وهواية لهذا الأمر، وأنا شخصياً لم يكن عندي الهواية والاهتمام، وليس لدي الوقت الكافي، فأنا منذ عرفت حياتي في أعمال ومشاغل سواء كانت خاصة أو عامة، صغيرة أو كبيرة.» وتعكس العبارة العديد من المشاعر المتناقضة والمتداخلة، فهناك شعور بالحنق على أولئك الذين يهتمون بتدوين وتوثيق أدوارهم بطريقة تضخم تلك الأدوار، وهناك تراجع عن هذا الشعور ولوم للذات على عدم الاهتمام الكافي بتدوين وتوثيق أدواره، وفي الأخير هناك شعور بالرضى عن الذات لأنها شغلت بـ»الفعل» صغيراً كان ذلك الفعل أو كبيراً أكثر مما شغلت بالتدوين والتوثيق.
الثورة الثانيةإذا كان الشيخ الأب رغم غيابه في الخارج قد حضر بقوة خلال الأسابيع الماضية من خلال مذكراته فإن ابنه الشيخ حسين الأحمر عضو المؤتمر الشعبي العام وعضو مجلس النواب قد سجل حضوره السبت الماضي بطريقة أكثر صخباً وإن شكلت في بعض أوجهها امتداداً لأدوار الشيخ الأب، ولم يكن الشيخ حسين ينتقم لنفسه من السلطة لقيامها بمنعه من دخول صنعاء بمرافقيه كما ذهب الكثيرون، ولكنه كان يلوح بقوة قبيلته وثقل أسرته داخل القبيلة في مواجهة العديد من التراكمات، وكانت الرسائل التي أرسلها الشيخ حسين بالأصالة عن نفسه وبالنيابة عن أسرته وقبيلته واضحة وقوية، وإذا كان الارتكاز على قوة القبيلة بعد 45 عاماً من قيام الثورة يمكن أن يثير الكثير من الأسئلة فإنه سيكون من الخطأ تحميل حسين أو قبيلة «حاشد» مسئولية ما يحدث، فالواقع هو أن أي سياسي يمني ومهما كان تقدميا أو رجعيا كان سيفعل ذات الشيء في مواجهة نفس الظروف. وقد كان الشيخ حسين موفقاً في الخطاب الذي ألقاه وفي استدعائه للتجربة التاريخية بما تحفل به تلك التجربة من فرادة الدور الذي لعبته قبيلته وأسرته ومن امتزاج ذلك الدور بالحركة الوطنية بشكل عام، وقد ذكر حسين أبناء قبيلته في خطابه خلال الاجتماع وفي إسقاط واضح على الوضع الراهن بالطريقة التي تنكر بها الإمام يحيى حميد الدين لتضحيات حاشد في حرب الاستقلال عن الأتراك وعمله بعد ذلك على التخلص منهم بعد أن استقرت له الأوضاع في السلطة، وأكد أن التاريخ لا يمكن أن يعيد نفسه، واعتبر الشيخ حسين مجيء أبناء قبيلته للاجتماع كما نقلت الصحف بمثابة ثورة ثانية في وجه الفساد.وسواء أقصد الشيخ الشاب ذلك أم لم يقصد فإن التجربة التاريخية لأسرته وقبيلته مع الإمام يحيى قد أكد ما كان مؤكداً وهو أن القبيلة اليمنية ما زالت تشكل المرجعية الأخيرة لشرعية أي نظام، وإذا كان النظام القائم قد نجح في تحييد المؤسسة العسكرية من خلال السيطرة عليها وإضعاف طابعها الوطني وحرمانها من تحقيق أي انتصار فإن القبيلة اليمنية اليوم تلوح بالقيام بدورها التاريخي وتؤكد أن ما ذهب إليه الدكتور محمد الظاهري أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء في كتابه «المجتمع والدولة في اليمن» من وجود نظامين سياسيين داخل البلد، أحداهما يتجسد في القبيلة والآخر يتجسد في الدولة قد اقترب كثيرا من فهم خصوصية الظاهرة السياسية في اليمن. وقد برز الصراع بين الشيخ حسين والرئيس من جهة وبينه وبين الجيل المتأهب لوراثة السلطة من جهة أخرى عندما خرجت صحيفة «الميثاق» الناطقة باسم الحزب الحاكم ببذاءات ضد والده الشيخ عبد الله مما دفعه لأن يصطف مع أبيه ويحشد قبائل حاشد بنفس الطريقة التي حشدها بها السبت الماضي، وقد تطور الصراع بعد ذلك وشهد فترات من السخونة وأخرى من الهدوء، ووقف حسين ضد الرئيس أثناء الانتخابات الماضية وكان عاملاً هاماً في نجاح مهرجان اللقاء المشترك في محافظة عمران، وتجاوز الصراع الحدود المعقولة والمقبولة عندما طلب النظام في اليمن من السلطات المصرية عدم السماح للشيخ حسين بدخول أراضيها في محاولة لمنعه من دخول ليبيا، وبالرغم من أن المجلس الوطني الذي يترأسه حسين ظهر في البداية بشكل مضطرب إلا أن تمكن حسين من ضم بعض القيادات الرئيسية في صفوف الحزب الحاكم وفي أوساط القبائل قد عكس تمتع الشيخ الشاب بثقل سياسي غير عادي. وبالرغم من أن السلطة تحاول الظهور بمظهر اللامبالي إلا أن محاولات الشيخ حسين لبناء قاعدة سياسية قوية سواء من خلال التلويح المتكرر بالقوة الضاربة لحاشد أو من خلال مجلس التضامن الوطني الذي قام بتشكيله يثير كما يبدو الكثير من القلق في دوائر السلطة، ويظهر هذا القلق واضحاً من خلال الطريقة التي تم التعامل بها إعلامياً وأمنياً وسياسياً مع كل ما يقوم به حسين، بما في ذلك تشكيله للمجلس الوطني، ولعل الطريقة التي تم بها التعامل مع أعضاء المؤتمر الشعبي العام الذين انضموا إلى المجلس الذي شكله حسين ومع الإعلاميين الذين غطوا مهرجان حاشد وقيام السلطة بمصادرة الأشرطة التي سجل فيها مراسل العربية المحسوب على السلطة حمود منصر فعاليات المهرجان هي أوضح المؤشرات على ذلك القلق، وشعور السلطة بالقلق هو ظاهرة ايجابية، لكن الأهم بالطبع هو طريقة التعامل مع المشكلة القائمة بعقلانية وبعيداً عن الشخصنة.
الجمهورية «الثانية»لم يغب الشيخ حميد الأحمر عضو مجلس النواب وعضو الهيئة العليا للإصلاح بدوره عن المشهد السياسي وإن كان ظهوره خلال الفترة الماضية قد قل كثيراً، كما أن تصريحاته قد اتصفت بالندرة والاقتضاب وإن كانت قدرته على إثارة ردود فعل متشنجة قد ظلت على نفس الدرجة من القوة، وقد ظهر الشيخ حميد الأسبوع الماضي في مقابلتين صحفيتين طويلتين الأولى مع صحيفة «الأهالي» والثانية مع موقع «حوار» على شبكة الإنترنت، ولم يجانب أحد السياسيين الحقيقة عندما وصف مقابلة حميد مع «الأهالي» بأنها أنضج مقابلة سياسية لحميد، وكما يمكن للمراقب أن يلاحظ التحول في الحركة السياسية للشيخ حسين بالمقارنة بين الطريقة التي ظهر بها في المؤتمر التأسيسي للمجلس الوطني الذي ترأسه وتلك التي ظهر بها في مهرجان خمر فإنه يمكن قول ذات الشيء عن الشيخ حميد وإن كانت تجربة الشيخ حميد في المعارضة قد أكسبته الكثير من الخبرة السياسية. و يظهر الشيخ حميد من خلال المقابلتين كصاحب مشروع سياسي تتقاطع فيه أفكاره وتوجهاته مع توجهات وأفكار حزبه ومع مبادرة اللقاء المشترك ومع الكثير من المشاريع والنظم القيمية المعاصرة، أما الشيخ حسين ربما بسبب حداثة تجربته أو بسبب انتمائه للمؤتمر الشعبي العام وهو الحزب الذي لا يملك من مرجعية سوى مرجعية «الدائرة المالية» بحسب تعبير الأستاذ أحمد الشرعبي في مقابلة له مع «صحيفة الناس» أو بسبب الاثنين معاً، فما زال بالتأكيد يحاول الخروج بمشروع سياسي مستقل، وما يبعث على الاطمئنان هو أن القاموس السياسي لحسين يمتلئ بالكثير من المفردات التي تنتمي إلى قاموس «الوطنية.»
ويمكن تلخيص المشروع السياسي للشيخ حميد والذي يحلو لحميد أن يسميه مشروع «الجمهورية الثانية» ربما في محاولة للتمييز بين نضال الآباء والأجداد من جهة ونضال الأبناء من جهة أخرى في عدة نقاط:أولاً: أن النضال السلمي المحسوب هو الطريق الذي ينبغي على اللقاء المشترك وأحزاب المعارضة وكافة القوى على الساحة سلوكه وعدم الحياد عنه، وأن على الجميع رفض محاولات السلطة لجرهم إلى دائرة العنف سواء عن طريق قمع المظاهرات أو غير ذلك، والنضال السلمي من وجهة نظره هو الأسلوب الأمثل للتغلب على «الاستبداد والتسلط السياسي وتغييب القانون» والتي تمثل تركة سياسية وثقافية ثقيلة. ثانياً: عل أي تكتل أو تجمع أياً كان أن يكون جزءاً من الحراك الوطني المناهض للظلم والمطالب بدولة النظام والقانون والمؤمن بأفضلية المجتمع المدني»، وهذه النقطة على جانب كبير من الأهمية وخصوصاً في ظل الأوضاع الحالية هي على درجة كبيرة من الأهمية، والرسالة التي يبعثها حميد هنا هي موجهة إلى كافة القوى على الساحة بما في ذلك الشيخ حسين والإخوة المتقاعدين وغيرهم.ثالثاً: إن «المواطنة المتساوية» هي الأساس الذي ينبغي أن تبنى عليه الدولة اليمنية وأن «أي حاكم أو رئيس ما هو إلا موظف لدى الشعب ولفترة معينة» وإن تولي السلطة لا يمكن أن يكون حكراً على طرف معين.رابعاً: إن التوريث «أمر غير دستوري، ويتنافى مع أهداف الثورة والجمهورية وأسس قيام الدولة ومبادئ الديمقراطية» ولذلك على الجميع رفضه ومقاومته، ورفض حميد للتوريث لا يعني بالضرورة أنه يرفض أن يترشح نجل الرئيس للرئاسة لكنه يرى أن على نجل الرئيس إن كان يطمح لتولي السلطة في المستقبل أن يتخلى عن العمل العسكري وأن ينخرط في العمل السياسي وأن يصعد إلى السلطة برضا الناس وليس عن طريق القوة العسكرية. خامساً: أن الأولوية في إصلاح الأوضاع ينبغي أن تعطى لتحسين الوضع المعيشي للناس وهو ما لن يتأتى إلا بمكافحة الفساد، وتحسين الأوضاع المعيشية للناس هو من وجهة نظر الشيخ حميد الكفيل بتخفيف حدة التوتر والتغلب على النزعات غير المرغوب فيها والتي تظهر بين الحين والآخر.سادساً: أن محاربة الفساد تتطلب «إحترام الدستور والقانون، وتفعيل مؤسسات الدولة، وحسن اختيار شاغلي المناصب العامة، وأن يكونوا من ذوي الكفاءة والنزاهة، وتحقيق مبدأ الثواب والعقاب، وتفعيل الرقابة».سابعاً: إن تحييد الجيش والأمن والاهتمام بهما ومعالجة مشكلة الثأر هي كلها كفيلة بحل الإشكالات القائمة.ثامناً: «إذا كان الحاكم هو المتسبب في سوء الأوضاع ورافض لكل خطوات إصلاحية جادة فيصبح تغييره...مفتاح الإصلاح.» وإجمالا: فقد عكست مقابلة الشيخ حميد مع «الأهالي» بما حملته من تفاصيل رؤية سياسية معارضة تتصف بالنضج والمسئولية، فقد رحب بقانون تنظيم حمل السلاح ودعا إلى الالتزام بالدستور والقانون وقدم للرئيس الكثير من المقترحات الكفيلة بمعالجة المشاكل القائمة، وبدا الشيخ حميد مرناً إلى أقصى حدود المرونة، ويمثل الشيخ حميد دون شك مكسباً للإصلاح وللمعارضة وللحركة المدنية اليمنية بشكل عام، ويمكن أن يتحول حميد وإخوانه إلى مكسب للنظام وللاستقرار السياسي في البلاد، لكن تطوراً إيجابياً مثل هذا لا يمكن أن يتم دون أن يقبل النظام القائم بالآخر من حيث المبدأ، سواء أكان الآخر هو الشيخ عبد الله أو أي من أبنائه أو محمد اليدومي أو حيدر العطاس أو أي من الأحزاب السياسية أو الفئات الاجتماعية، والقبول بالآخر كشريك وكصاحب حق هو الأساس للخروج من كل الأزمات التي تتكاثر على نحو مقلق. ثم ماذا؟مهما اختلف المراقبون والمحللون للوضع السياسي في اليمن فإنهم سيتفقون على أن الصراع الدائر داخل القبيلة القائدة أو «الحاكمة» قد ساهم إلى حد كبير في الزج بالبلاد إلى وضع سياسي يصعب وصفه بالمستقر، وقد فتح ذلك الصراع فجوة كبيرة مرت من خلالها حروب صعدة وقلاقل الجنوب، ومن المؤكد أن الصراع داخل حاشد، وإن كان يخدم النخب غير المنتمية إلى حاشد، وسواء أكانت في السلطة أو المعارضة فإنه في المقابل يحمل مخاطر كثيرة في ظل تعقيدات المشهد السياسي القائم..أما بالنسبة للتوريث فإن الصراع داخل حاشد يجعله مشروعاً صعب التحقق بكل ما تعنيه الكلمة من معنى وخصوصاً في ظل انتقال «التشظي» من صفوف «حاشد» إلى «صفوف الحزب الحاكم» وإلى «صفوف المعارضة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق