نبيل الصوفي، نيوزيمن:
حين رأيت إسم "طارق الفضلي" ضمن أسماء تقرير لجنة د.صالح باصره، قلت: سيكون واحد من أقسى المتحدثين بإسم جمهورية الجنوب التي كان ضدها منذ خلق تقريبا. غير أني في حديثي لنفسي يومها توقعت إنه طالما أن المطلوب هو إجراءات سياسية فمن السهولة التوصل معه إلى حل طالما اتخذت ذات الإجراءات عليه وعلى غيره، لأنه في النهاية ليس المطلوب إعدامهم بل تصحيح الظروف التي جعلتهم رموز لمشكلة وطنية. (طبعا لم يحدث شيئ من هذا، بل غادر عبد القادر هلال الحكومة وتضاعف السكر في دم صالح باصره، بعد أن تحول تقريرهم إلى نكبة عليهم تشبه نكبة حرب 94 على دولة الوحدة، وهاهو نائب الرئيس يعلن لجان جديدة أخاف أن تنضم هي للحراك خلافا لهلال وباصره لأن النتيجة ستكون واحدة مالم يرد الاعتبار للجنة باصرة بدون إعلام ولكن فعلا).وفي أيام لا تتجاوز شهرا وعدد من التصريحات، هاهو طارق الفضلي يثير الرعب في صنعاء وينقل بينها وعدن وأبين مسئولين كبار وفي ظرف ساعات. ولكن الفرق إن هذا يحدث لأسباب غير معلنة سوى ما يقوله طارق بنفسه عن "نهب الجنوب"، و"قتل شعبه" والتعامل معه بطريقة لا مثيل لها إلا "في فلسطين"!ولا أظن تصريحات المصادر المستترة حتى وإن نشرتها وسائل الإعلام الرسمية تحظى باهتمام وإن أعادت التهم التي رددها العالم ضد "طارق" منذ تفجير فندق كانت تستخدمه القوات الأميركية المقاتلة في الصومال أثناء راحتها في عدن مرورا بمحاولات اغتيال علي صالح عباد مقبل وتفجير منزل رئيس مجلس النواب ياسين سعيدنعمان في سياق خطاب "مجاهد" قال طارق عنه مؤخرا "نسأل الله أن لا تعود أسبابه" وصولا إلى حرب 94 والتي وإن انتهى فيها استخدام الرصاص بقرار حكيم ومبكر قبل أي أعمال ثأر وانتقام كما يقول الرئيس علي عبدالله صالح، فإن حلفاء النصر فيها من الشمال والجنوب استخدموا القوة المادية أو الاجتماعية والدينية والاقتصادية لإجبار سكان الجنوب، وبخاصة مدنه أهمها عدن وزنجبار على تغيير نمط حياتهم بحجة التطهر من الاشتراكية وما يأتي مرادفا لها في المخيلة التي كان طارق الفضلي أبرز المتحمسين لها وأقصد بها المخيلة التي جمعت بين وعي القبيلة التي تدين للمتعود من التقاليد بوصفها قيما يحرم تغييرها، والانتماء لأيدلوجية سياسية دينية لم تكن قد غادرت إفرازات الحرب الباردة.وهي "المخيلة" التي تقع عليها مسئولية ما يحدث، لأنها بممارساتها في مختلف المجالات عطلت التنوع الذي هو قوة الوحدة وقيمتها، وعممت طريقا واحدا للحياة صارت بها مدن اليمن وقراها كأنها مجرد نسخا لشكل واحد في النشاط العام والخاص من الاهتمامات الفكرية والسياسية وحتى الملبس والمأكل والمشرب. مرورا بأداء مؤسسات الدولة وهيمنة ذوي القوة، واحتقار كل الوظائف التي بنى فيها الحزب الاشتراكي وجدان مواطني دولته من الرياضة الى الثقافة والفنون وغيرها.إن من الطبيعي أن يصبح طارق نجما وطنيا في شهرين، طالما ونحن في بلد تتزايد فيه إمكانيات المشائخ وذوي الولاء، وفي المقابل يغرق تراث محمد سالم البيحاني ويختفي إرث باذيب ومتعلقات جعفر أمان وصوت أحمد قاسم.. ويضطر اليوم شرف محفوظ لأن يتصل بك برنة لأنه ليس لديه رصيد، وفيما يعين حاشد الأحمر في منصب رفيع يكون على أبوبكر الماس أن يبحث عن فتات المكان. (لست ضد حاشد ولا أعرفه أصلا، لكني استخدمت اسمه لسطوع المثال). وحين تجد عفراء حريري وأسرتها العدنية بالمطلق، أو إنصاف مايو وبساطته الإنسانية، أجهزة الأمن مشغولة باتهامهم وإيذائهم فلن يكون هناك فرصة للحديث عن نعمة الوحدة، لأنه ليس ذلك ما يحدث مع عشرات النافذين لا يعترفون بالدولة ولا يقيمون لها وزنا في غير منطقة متخمة بالسلاح والثارات.."طارق" هنا يعمل في قطار الإثارة الوطنية التي تغذيها من جهة جمل المناضلين باسم الجنوب اليوم، ومن جهة ثانية مشكلات الدولة في الميدان والتي لن تعالج بلجان من صنعاء ولا بخطاب للرئيس ولا بزيارة من نائبه. ولذا فخطابه أكثر تأثيرا حتى أن هناك من قال: "ولو نهب فهو ينهب من أرضه". وهو قول بناه في الوعي العام إلى جانب ما سبق ، الغياب التام لأي مشاريع وطنية تكافح مساري استغلال العواطف المناطقية والاختلالات في أداء الدولة في وقت وبمستوى واحد.إضافة إلى الحقيقة المرة وهي أن الصراع السياسي وقصور الدولة استهلك كل الفضاء في هذه البلاد، ولذا فمقابل الإدعاءات بالتحديث والديمقراطية فإن الوعي الاجتماعي والثقافي والأداء السياسي والإداري للناس وللدولة على حد سواء، لا يزال يناقش ويدير حاجة الناس ومشاكلهم بذات الطرق التي تعودنا عليها منذ عشرات السنين. ويكررها اليوم باعوم والفضلي مقابل الميسري والجفري مثلا، أو عبدربه منصور وعلي عبدالله صالح مقابل العطاس وعلي ناصر.خطاب مناضلي الجنوب، الذين نكن لأشخاصهم التحية والإجلال عكس خطابهم الذي يثير فينا كمواطنين في الجنوب والشمال والشرق والغرب القلق والخوف عليهم وعلينا، ومشكلات الدولة المشار لها، هما على علاقة ببعض حضور أحدهما يغيب الآخر.وحدة اليمن لن يطالها التهديد بل الدولة هي المعرضة للتهشيم، ولعل الرئيس علي عبدالله صالح يدرك ذلك فهناك داخل زنجبار من لا يمثل له "طارق" سوى رمزا للكراهية، و"المكلا" التي أحرق عشرات منها وفيها أعلام الجمهورية اليمنية وصور رموزه هي من يعاد ظلمها بهذه التصرفات التي في سجل "حسن باعوم" الكثير منها مرة باسم التطهير الثوري واليوم باسم التطهير المناطقي. هو ليس قاتلا كتعبير عن نوازع إجرامية بل "ثوري" بالمقاييس المناظرة لمقاييس "طارق الفضلي". وأيا تكن قسوة ماتفرزه هذه الثورية فإنها في نظر أصحابها تبدو الطريقة الوحيدة التي يمكن استخدامها للتعبير عن الاحتجاج في عهد دولة لا يمكن إنكار أنها متسامحة مع سلاح ومناطقية بني ظبيان وعليها توسيع هذا التسامح. وهي تفعل ذلك فعلا ألان، وهاهي أحداث المكلا وزنجبار تمر دون عنتريات مسلحة.غير أن الباقي هو تسامح في الخطاب أيضا، ولكن مع خطوات ميدانية متحفزة تتلافى القصور وتقترب من حاجات المواطن، وتدير الضالع بطريقة تختلف عن إدارتها لعمران، وكريتر بطريقة مختلفة عن الصافية.. ولو حدث ذلك فإن المجتمع سيتولى الدفاع عن مصالحه وآمنه واستقراره ووحدته ودولته
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق