محمد اللوزي، بالاتفاق مع الوسط:
اثناء ما كان الامام احمد ملك المملكة المتوكلية اليمنية يتلقى العلاج في روما عام 59 وصلته اخبار و انباء عن دولته اساءته كثيرا و قد عجل بالعودة و بعد ان اقلعت طائرة المغادرة التي كان على متنها من روما كان قد امر الطيار بأن يعود الى روما غير ان الطيار رفض بحجة ان الوقود غير كاف للعودة فما كان إلا ان صوب الامام احمد بندقيته باتجاه الطيار و ارغمه على العودة تحت تهديد السلاح و من ثم استقل باخرة للعودة بحرا.. توقفت الباخره عند ميناء بورسعيد و قد وصل عبدالناصر للسلام على الامام احمد الذي لم ينزل من الباخرة خوفا من اعتقاله حسب ماكان يشاع و دخل عبدالناصر الى مقام الامام احمد في الباخرة فصافحه الامام احمد وهو جالس لم يقم من مقعده بل ان بندقيته كانت بجانبه، حيث رفض التخلي عنها و حين صعد إلى الباخرة امين الحسيني وشيخ الازهر قام الامام من مجلسه ووقف ليصافحهما دليل على احترامه للحسيني و شيخ الازهر و عدم احترامه لعبدالناصر , و قد كان الامام احمد يشك ان مصر تتآمر عليه و فور وصوله صنعاء القى خطاب تهديد و وعيد و قام بالغاء كلية الطيران التي كان يرأسها السلال و قام باعدام الشيخ حسين الاحمر شيخ مشائخ حاشد و ابنه الشيخ حميد , و اتخذ اجراءات صارمة في سياسته الداخلية و الخارجية. و بعد تعرض الامام احمد لمحاولة قتل في مستشفى العلفي بالحديدة من ضابطين و جندي اقعد بسببها , توفى الامام احمد في 19 سبتمبر 62 و امر ولاية العهد لابنه البدر كان محسوما بعد ان اقصى منافسي ولده البدر من عائلة حميدالدين و ابرزهم الحسن بن يحي حميد الدين شقيقه و الذي شغل منصب مندوب اليمن في امريكا و تولى البدر الحكم بدلا عن ابيه و يقول معظم الثوار ان احد اسباب ثورة 26 سبتمبر هو خطاب البدر الذي القاه بعد توليه الحكم و توعد بنهج سلوك والده و قال انه اذا كان ابوه يقطع من الراس عند الاعدام فانه سيشق المرء نصفين من البطن.و قبل وفاة الامام احمد كان القاضي عبدالرحمن الارياني قد تولى امارة الحجاج اليمنيين الى السعودية و يقول القاضي الارياني في كتاب وثائق اولى للثورة اليمنية انه التقى الامير فيصل و تباحث معه في امر اليمن و طرح القاضي الارياني حقيقة الوضع في اليمن و قال الامير فيصل للقاضي الارياني ( المملكة يهمها امر اليمن و نحن ننصح ان يعمل المخلصون لسيف الاسلام الحسن اما البدر فهو مصري شيوعي و نحن نخاف على اليمن من اشتراكية مصر التي لا تختلف عن الشيوعية و نخشى من الاتحاد المعقود مع مصر ) ثم اضاف الامير فيصل نقطة اخرى مهمة قائلا (بامكانكم ان تختاروا من ترونه مناسبا كامام وسنساندكم على شرط ان لا يتغير النظام الى جمهوري فاذا اعلنتوها فانا نقول لكم بانا لن نقف مكتوفي الايدي و سوف نحارب حتى النهاية ), و بهذا كان الامير فيصل قد طرح نقطتين هامتين هي ان السعودية ضد تولي البدر و ضد تغيير الحكم الى جمهوري.و بعد ان قام ضباط شباب بتولي تفجير الثورة يوم 26 سبتمبر بعد تولي البدر الحكم بسبعة ايام اختار هؤلاء العسكر الشباب الضابط عبدالله السلال كرئيس لتولي حكم اليمن و هو مالم يكن في حسبان جميع الاطراف سواء السياسيين في بلاط الحكم الحميدي او حتى الدول المجاورة، كما ان السلال لم يكن في بال مصر التي خططت للثورة و لكن الامر الواقع فرض السلال باعتبار معظم ضباط الجيش مؤيدين له حيث و كانت دفعتا الكلية الحربية -دفعة الشهيد علي عبدالمغني و دفعة محمد مطهر زيد- ترشحان السلال بالاضافة الى دفعة كلية الطيران و دفعة الكلية الشرطة و بما ان السلال كان قد تخرج من كلية عسكرية عراقية فان الدفعتين اليمنيتين التي درستا في العراق قبل ثورة 48 تؤيدان السلال اضافة الى دفعتي المدرسة الحربية اللتين تدربتا على ايدي البعثة العسكرية العراقية و تبقى من ضباط الجيش اليمني دفعة تخرجت من جمهورية مصر العربية قبل الثورة و هي دفعة جزيلان و التي لم تكن تملك الثقل لتمنع رئاسة السلال امام بقية ضباط الجيش الذين ايدوا رئاسة السلال.و قد قامت المملكة العربية السعودية بتمويل الاسرة الحميدية للدفاع عن نفسها التي قاتلت في صعدة وحجة واطراف اليمن و استمر القتال ست سنوات يحصد اليمنيين من الجهتين حتى اعلان المصالحة و لم يكن تنظيم الضباط الاحرار الذي قام بالثورة بتلك القوة حتى يحسم الحرب بسرعة وكانت هشاشته الى ابعد مدى و لولا وصول القوات المصرية بعد 26 سبتمبر بايام لفشلت الثورة.غير ان امر رئاسة اليمن او حكم اليمن كان كل فترة يعتمد على معايير مختلفة وكانت في غالب الاحيان هناك عدة بوابات للدخول الى القصر كان اسرعها القتل.و كان اللواء يحي المتوكل احد الضباط الأحرار قد وصف رفيقه ابراهيم الحمدي الذي كان الرئيس الثالث للجمهورية العربية اليمنية بعد القاضي الارياني و كيفية صعوده و المؤسسة العسكرية التي كانت تؤيده و كذا الاطراف القبلية التي تحالف معها قبل الوصول للرئاسة و التي انقلب عليها بمجرد وصوله للرئاسة و قال اللواء المتوكل في كتاب (حضور في قلب التاريخ) ان ابراهيم الحمدي كان قد نجح و اصبح رجل الجيش الاول و ظل مرتبطا بالقوات المسلحة حتى و لو كان في منصب مدني و قال يحي المتوكل ايضا عن تحالفات ابراهيم الحمدي القبليه انه كان الاكثر قبولا في اوساط القيادات القبلية، بدءاً من الشيخ الاحمر الى الشيخ ابولحوم و قد اجمع الكل عليه.اما عن تولي الغشمي رئاسة الدولة فان يحي المتوكل يؤكد ايضا ان الارتباط القوي بالجيش و المؤسسة العسكرية هو ما مكنه من الوصول الى رئاسة الدولة، حيث كان ارتباط الغشمي بالجيش اقوى من ارتباط الحمدي و قال يحي المتوكل ان الغشمي عاش حياة عسكرية طويلة ابتداء من قائد سرية ثم كتيبة ثم لواء حتى اصبح رئيس اركان و قال المتوكل ايضا ان الحذر و الحس العسكري لم يكونا متوفرين في الحمدي مثل توفرهما في عبدالله الغشمي.وكان الرئيس احمد الغشمي الضابط المنتمي الى سلاح المدرعات الذي تولى الرئاسة بعد مقتل الحمدي قد اعتمد على نفس نهج سابقه الرئيس الحمدي للوصول الى كرسي الرئاسة مع اضفاء طابع قوة كون انتمائه للجيش كان عميقا و كان الرؤساء في تلك الفترة يخرجون من سلاح المدرعات.لم تختلف طريقة الوصول الى كرسي الرئاسة عن سابقاتها لكن ثمة تطوراً قد حصل في منظومة الحكم و كانت التراتبية تتطور في كل مرة و تضيف شروطا جديدة غير أن العلاقة مع الجيش تبقى هي اهم الوسائل للوصول الى كرسي الحكم مع ضرورة التأييد القبلي و الرضا الاقليمي, و يبقى هناك شرط اخر لاي رئيس قادم لتولي الحكم و قد كان هذا الشرط هو احد الاسباب الرئيسية للرؤساء السابقين لتولي الحكم و هي ان يكون فرداً في مؤسسة قبلية ضعيفة لا تملك أي مكونات القوة امام القبائل الاخرى القوية و المتصارعة على الحكم حتى تقبل به كل القبائل.لكن اليمن الآن لم يعد شمالا فقط محكوماً بقبائل شمالية كما كانت و اصبحت هناك اطراف جنوبية يجب ان تراعى نظرتها للوصول الى كرسي الرئاسة القادم اضافة الى اطراف اقليمية بعيدة لها شبكة مصالح في المنطقة , اما الطرف الذي لن يستشار في أي تسوية سياسية او رئاسية فهي الاحزاب و منظمات المجتمع المدني اليمني لانها ارادت لنفسها ذلك .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق