فضل النقيب{ وجَّه الرئيس الفرنسي «نيكولا ساركوزي» عن طريق سفيره في الخرطوم، دعوةً لـ «فتاة البنطلون» السُّودانية «لُبنى أحمد الحسن»، للإقامة في فرنسا، دعماً لها ولزميلاتها اللاَّتي وقعن في قبضة قانونٍ غامضٍ مُثيرٍ للجدل حول الحشمة في بلاد الحشمة أصلاً، فالمرأة السُّودانية تُعدُّ بين أكثر نساء العرب والمُسلمين احتشاماً ووقاراً، حيثُ لا شأن لهنَّ بالكاسيات العاريات، والأكثرية الكاثرة منهنَّ، خُصوصاً في الشمال، يرتدين الثوب الوطني المُميَّز، الذي لا يشفُّ ولا يَصِفُ ولا يغمز ولا يلمز.وقد شاهدتُ في الصُّور، كما شاهد غيري، البنطلون الفضفاض الذي ارتدته «لُبنى» في حفلٍ نسائيٍّ بمطعمٍ عام، فلم أَرَ فيه ما يلفت النظر أو يجرح الحياء أو يخدش الذوق، فهُو ليس باللَّصيق المُحزَّق ولا الجينز المحرَّق، وليست له علاقةٌ بالمُوضة السائدة حالياً حول العالم، التي تكشف، بمُساعدة القُمصان القصيرة التي تنكمش عند الانحناء، عن جُزءٍ من أسفل ظهر المرأة، فإذا كان البنطلون زَلِقَاً ومن القُماش المطَّاط، فرُبَّما كشف عمَّا لا يجوز كشفه ممَّا تعرفون جميعاً.كانت الفتاة «لُبنى»، الصحفية والإعلامية في إحدى مُنظَّمات الأُمم المُتَّحدة - وما أكثرها في السُّودان - تلبس على بنطلونها الفضفاض غطاءً جميلاً يُغطِّي النحر والصدر، وما كان لأحدٍ - أيّ أحدٍ سويّ - أن يظنَّ بها الظُّنون أو يرميها بتُهمة إيقاظ الفتنة النائمة، التي تجوز اللَّعنة على مَنْ يُوقظها، إلاَّ أُولئك الذين لم يسمعوا قول الرَّسُوْل صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم : «النساء شقائق الرجال»، و«رفقاً بالقوارير» في الحديث الآخر، فهُم يحملون للمرأة، كجنس، ضغينة، ويترصَّدونها كما يترصَّد الصيَّاد الفريسة، وبودّهم لو أطلقوا على النساء في الشوارع لتمزيق لحومهنَّ وإهدار إنسانيتهنَّ وجرح كراماتهنّ، وكأنَّهم لا أُمَّهات ولا أخوات ولا قريبات لهم.هُناك مَنْ يضطربون خوفاً فيبسملوا ويُحوقلوا إذا مرَّت بجانبهم امرأة، وكأنَّ حبائل الشيطان في أردانها، والسحر الأسود في تلافيف ملابسها، فإذا حملوا في أيديهم القوانين البشرية المُفصَّلة للكبت باسم الفضيلة، والتي هي، بطبيعتها، قوانين قد تأتي من المُزايدات السياسية وادِّعاء القوامة على المُجتمع، فإنَّهم ساعتئذٍ يأتون بالبِدَع التي لا يعرفون معها حُدوداً ولا قُيوداً، فيقتادون الغافلات المُحصنات إلى ساحات الجلد والتعزير باسم اللَّه، واللَّه بريءٌ من أعمالهم ومن مشائخهم الذين لا يُوازنون بين دفع المضارّ وجلب المنافع ولا يُعملون النظر في العواقب ولا يتمعَّنون في التطوُّر الذي جعل من العالم قريةً واحدةً ومن الإعلام العابر للحُدود والمُتعمِّم للبيوت مدىً مفتوحاً شفَّافاً يعرف فيه ساكن الصين نبض أفريقيا، ويُتابع من خلاله مَنْ في واشنطن وباريس ولندن ومُوسكو وريودي جانيري، ما يتفاعل في العالم الإسلامي من آسيا الوسطى إلى ضفاف البحر المُتوسِّط الشرقية.لقد مرَّت أفغانستان وإيران والعراق والصُّومال وغزَّة بحالاتٍ مُماثلةٍ من الاستبراء وإقامة المحاجر وعزل النساء، بل ووصل الأمر لدى «طالبان» إلى منعهنَّ من الدراسة وتهديدهنَّ بالقتل والتشويه إن خالفنَ أو تمرَّدنَ أو طالبنَ بحُقوقٍ هي من صميم الإسلام ومن شُروط النهضة التي لا يُمكن أن تستقيم إلاَّ بجناحي المُجتمع وإقرار الحُرِّيَّات العامَّة وحُقوق الإنسان، ولم يكُن ينقص السُّودان، الذي يُعاني قضايا مصيريةً مُزمنة، إلاَّ أن يشغل نفسه وإعلامه بقضيَّة لبس النساء للبنطلون، وكأنَّ البنطلون في حدِّ ذاته حرامٌ كلحم الخنزير والميتة والدم.وقد جاء قانون إشانة السُّمعة لا إشاعة الفضيلة، ليضع في يد الأُمِّيِّىن وأنصاف الأُمِّيِّين والمُتشبِّعين بأفكار التطرُّف، سوط عذابٍ للتشهير بالنساء ودمغهنَّ بالمروق في أمرٍ تافهٍ يتردَّد صداه حول العالم، وينطبق عليه المثل القائل : «جنازة حامية والميِّت كلب»، وقد أُسقط في يد القضاء الذي قُدِّمت إليه «لُبنى»، فحار فيما يأخذ وما يترك، بعد أن تجاوزت القضيَّة الحُدود وتدخَّل فيها رُؤساء دُولٍ وزُعماء أحزابٍ ومُنظَّماتٍ حُقوقية، ومع ذلك نقول : رُبَّ ضارةٍ نافعة، فقد أفرزت القضيَّة حواراً مُعمَّقاً وناقداً حول الكثير من القوانين التي تُكبِّل حُرِّيَّات الناس تحت طائلة الإذلال والتشهير وتحريف جوهر الأُمور.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق