حياة الحويك عطية ، نقلا عن الدستور
العام 1989 كان عليان : علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض يجلسان جنبا الى جنب في آخر مؤتمر قمة عربية عقد في بغداد . وفي خطابه امام المؤتمر حيا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين هذه الثنائية الوحدوية طالبا الى سائر العرب الاقتداء بهما . كان المؤتمر يناقش طلب اميركيا موجها الى العراق بتخفيض قواته المسلحة واجراء تحولات هيكلية اخرى على سياسته ، وكان العراق يطالب الكويت ودول الخليج بالتوقف عن التضييق عليه بمسالة الديون والنفط . ويومها رأى المتابعون شيئا من المبالغة والرومانسية في خطاب الملك الحسين عندما استشهد بالبيت الشعري المعروف : اضاعوني واي فتى اضاعوا . بعدها بسنتين كانت رحلة الضياع الفعلي تبدا بحدة ، تنجح في الكثير من مفاصلها وتفشل في الكثير : ضاع العراق ، ضاعت فلسطين من جديد ، ضاع الصمود العربي امام اسرائيل ، ضاعت سيادة الخليج العربي على نفطه وارضه وبحاره ، ضاع رفيق الحريري ليكون ضياعه الفردي ، الذي لا يستحق ان يذكر مع ضياع اوطان ، مدخلا لاضاعة لبنان وسوريا وما تبقى من قوى المقاومة الفلسطينية . ضاع الكثير وها نحن نشهد اخيرا خطر ضياع اليمن . اليمن الذي قدم يومها نموذجا لوحدة ديمقراطية ، وتطور بعد الوحدة الى التعددية الحزبية انزلق بعدها منزلقين خطيرين : الاول هو الحيف والغبن الذي اوصل البعض حد العودة الى الانقسام ، واوصل البعض الاخر حد الفرض العسكري الوحشي ، الذي شهدنا خلاله ( وقد شهدته شخصيا ) ممارسات لا يمكن ان يمارسها محتل مع شعب عدو . والثاني هو التحول من التعددية الى حكم الحزب الواحد ، ففي بداية التسعينيات بدأ ان اليمن تسلك الطريق الحقيقي نحو التحول الديمقراطي ، عندما اطلقت حرية تشكيل الاحزاب السياسية ، التي تجاوز عددها العشرين ( وقد اعددت يومها ملفا عنها من 13 حلقة ) تبينت خلال العمل عليه ان جدلا فكريا وسياسيا حقيقيا ينطلق في الفضاء العام ، مما يؤدي - على المدى البعيد الى تشكيل وعي سياسي واجتماعي ، وخيار مبني عليه يؤسسان لنشوء رأي عام . صحيح ان الواقع القبلي الذي يشكل اليمن كان معروفا ومستعصيا على التغيير المنظور ، لكن التطوير البطيء كان ممكنا . رغم انه لم يكن من الصعب على من يزور الشيخ عبدالله الاحمر ان يدرك ان قبيلة حاشد اقوى من الدولة ، ( لتأتي بعدها القبائل الاخرى : عايد وبعض الاطراف الصغيرة التي لا قيمة كبرى لها ) . لكن التعددية كانت موجودة ، تعددية لم تلبث ان كانت اول ضحايا حرب الوحدة . منذها - منذ حرب ما سمي بالوحدة - لم يكن لاي ممن شهدوا ما لحق بالجنوب من دمار وقمع وغبن وقهر ان يصدق ان هذه الوحدة ستدوم . ولم يكن لاي ممن عرفوا دواخل الفساد الاداري والسياسي الا وان يتوقع انفجارات هنا وهناك ، ولم يكن لاي مطل على الظروف الاقليمية الا وان يتوقع ان تلجأ القوى الخليجية ، والعربية الاخرى ، والاقليمية الى مد اصابعها داخل الجسم اليمني المنهك والمتوتر . وداخل تلك البلاد التي اطلق عليها ادونيس بحق اسم :"المهد"والتي تكتسي فيما يتعدى الشعر اهمية جيوبوليتيكية وجيو اقتصادية استثنائية بالنسبة للخليج العربي ، لافريقيا ، ولاسيا .ويكفيك ان تنظر الى الخريطة لترى كيف تشكل هذه البلاد وبحارها مفتاحا اساسيا لكل تحرك عسكري وسياسي واقتصادي في هذه المنطقة . اما اذا عبرت الى التاريخ واكتشفت اية شبكة طرق قوافل كانت تحكمها اليمن بريا ، وشبكة اخرى كانت تحكمها بحريا ، لادركت لماذا لا يمكن للغرب ان يتركها وحالها ، هي التي تتمتع باطول واغنى شواطىء بحرية عربية ، واغنى معابر الى منافذ اقليمية ليس اقلها مضيق هرمز .صحيح ان اليمن السعيد لم يعرف السعادة منذ امد طويل . ولكن كل ما عاناه قد يكون كله قليلا امام ما ينتظره . فليس التصريح الذي سمعناه قبل فترة من ان اليمن قد تحل محل افغانستان بالنسبة الى نشاط القاعدة ، الا انذارا لا يجوز اخذه الا على محمل الجد . وليس تبرير ها التوقع بالتشابه الكبير بين اليمن وافغانستان من حيث الطبيعة الجغرافية والقبلية والمذهبية ، وعلاقته الخاصة بالعربية السعودية الا جزءا من الحقيقة . من هنا لا يجوز النظر الى التمرد الحوثي كمجرد تمرد يكفي تدخل الطائرات السعودية لاخماده .كما انه لا يكفي الهجوم الاعلامي على الدعاوى التي يسوقها علي سالم البيض لضمان المستقبل . الحل الوحيد لبلاد المهد هذه يكمن في اقتناع الجميع وعلى رأسهم الحكم بالعودة الى ما شكل الحل في بداية التسعينيات ، المصالحة والديمقراطية التعددية وقد سمعنا اصواتا عديدة لعل من اهمها صوت حامد عبالله الاحمر تدعو الى ذلك
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق