الثلاثاء، 8 سبتمبر 2009

سيف العسلي لـ «الأهالي»: الرئيس مظلوم داخل المؤتمر

حاوره/ علي الجرادي



البروفيسور سيف العسلي شخصية مثيرة للجدل فحين كان إصلاحياً عين رئيساً للدائرة الاقتصادية وفي حكومة الائتلاف عين وكيلاً لوزارة المالية لينتهي به المطاف وزيراً للمالية في الحكومة السابقة.. ومع ذلك لا يستمر في الوزارة لأكثر من عام كامل ويرفض القبول بوزارة التجارة والصناعة ليسجل موقفاً استثنائياً مع أن الاستثناء في حياته هو شخص الرئيس.. وأخيراً يبدأ الدوام في دار الرئاسة..نترككم مع الحوار..
*تعتقد أنك ارتكبت أخطاء في الوزارة؟- في البداية أهنئك على صدور «الأهالي» ومن خلال معرفتي بك أتوقع أنها ستكون إضافة نوعية للصحافة التي تتوخى الموضوعية.. عندما جئت إلى وزارة المالية كان لدي تصور واضح، وعلى أساسه حاولت أن أدير الوزارة وفقاً لهذا التصور.. والآن بعد خروجي من المالية وتقييمي للوضع لا أعتقد أنني ارتكبت خطأً استراتيجياً كبيراً وربما كان هناك أخطاء تكتيكية.. لكني أقول لك إن عدت إلى المالية ولا أتمنى أن أعود.. فإني سأواصل ما عملته.. رؤيتي الإستراتيجية هي أننا في اليمن يغيب عن المسئول العام النزاهة والإخلاص والإرادة.. النزاهة لا أقصد بها الرشاوي وغيرها ولكن أن تجعل خدمة الناس هي هدفك الأول.. والإخلاص أن تكون مستعداً للتضحية بمصالحك الشخصية.. والإرادة أن تؤمن بما تراه صواباً، تطبقه على الأرض ولا تتردد ما دمت تؤمن بأنه صحيح ولا يخرج عن إطار القوانين واللوائح..
* كان لديك تصور وإستراتيجية.. ما الذي دفع بصانع القرار أن يبعدك عن المالية.. برأيك ما هي الأخطاء التكتيكية التي تحدثت عنها..؟- الأخطاء التكتيكية في بداية موازنة عام 2007م منعت المناقلة عن كل الوزراء وكان الهدف من ذلك هو ضبط النفقات الجارية على أن يتم النزول بعد ثلاثة أشهر لتقييم الإنفاق الجاري.. ثم تتم إعادة النظر في المناقلات للأوجه الفعلية وليس للأوجه الوهمية.. فإخواني في مجلس الوزراء وكثير من الناس تصوروا أن هذا موجه ضدهم وعدم وثوق فيهم.. وأنني قد تجاوزت الخطوط الحمراء في هذا الأمر.. فكوَّن رأياً عاماً لدى النخبة باستثناء الأخ الرئيس حفظه الله الذي ظل واثقاً بي ومقتنعاً بما أعمله.. ولكن الرئيس رجل لا يمكن أن يضع مصلحة اليمن في كفة وسيف العسلي في كفة أخرى ولذلك تفهمت وضع الأخ الرئيس.. والإصرار على خروجي لم يأتِ من الأخ الرئيس وإنما جاء من قوى أخرى.
* كيف كانت مصلحة اليمن في كفة ووجودك في المالية في كفة؟- نعم لأنه في ظل التوازن السياسي القائم لا يمكن للرئيس أن ينحاز حتى لأصدقائه رغم اقتناعه بذلك.. ولكن لا بد أن يأخذ توازن القوى بعين الاعتبار وربما فشلت في إيصال وجهات نظري إلى مراكز القوى لقصر الفترة التي أمضيتها.
* وهل حددت هذه المراكز الآن وبدأت تتعامل معها بطريقة مختلفة؟- إنني أتعامل معهم ليس عن حقد أو انتقام وإنما نظرت للموضوع أنه سوء فهم لا أقل ولا أكثر وحسن النية وبالتالي أتعامل مع كل من وقف ضدي في هذا الأمر، وعليّ الآن كلما أتيحت لي فرصة أن أشرح لهؤلاء ما هي الأهداف الحقيقية التي كنت أستهدف تحقيقها.
* ما حكاية السيارات وبدل السفر والعلاج.. هل ضايقت الوزراء والمحافظين؟- طبعاً.. هي أسباب تراكمية.. وليس لأنني قلت أنه لن تكون هناك موازنة إضافية وبالتالي ليس للجهات إلا ما هو موجود في موازنتها وكان هذا هو الخلاف السائد.. وكان الخلاف السائد أن الجهات تتساهل في مناقشة موازنتها على أمل أنه خلال السنة يتم مراجعة وزير المالية، ومنعت هذا الأمر.. وأيضاً منعت صرف سيارات لبعض الناس وبعض الناس لا أصرف لهم.. وكان لا بد من أن أصرف للجميع أو لا أصرف للجميع.. وفيما يخص بدل السفر لم أكن ضده ولكنني رأيت أن لا تتم المبالغة فيه.. وأيضاً في ما يخص المساعدة العلاجية في عام 2006م أنفقنا ما يقارب المليار لهذا الأمر.
* ومعظم هذه المساعدات تذهب لعلية القوم؟- طبعاً.. ولناس آخرين، لكنها لم تكن منظمة ومقننة فعندما قلت أوقفها، تساءلت لماذا أوقفها على بعض الناس ولا أوقفها على البعض الآخر؟ وقلت لا مانع من صرفها.. ولكن عليكم أن تعملوا لائحة على أساسها أقول أنني أصرف لكم وفقاً لهذه اللائحة.. ولا أصرف للآخرين لأنه ليس لديهم لائحة.. وحتى لا يكون الأمر تعنتاً مني أعطي من أريد وأمنع من أريد.
* أنت وفرت كما سمعت (171) مليار ريال.. هل هذا الرقم صحيح؟- ما كان يوجد في حساب الحكومة العام، هذا المبلغ صحيح لكن جزء منه كان نتيجة للفائض في موازنة عام 2006م والجزء الآخر هو تراكمات ما تبقى من أذون الخزانات التي تم إصدارها..وأعتقد أن ما تم توفيره ما بين 60-80 مليار وهذا كان فائضاً في 2006م.
* هل لا تزال لأذون الخزانة قيمة اقتصادية؟- بالتأكيد.. ما من بلد إلا ولديها وسيلة للسيطرة على السيولة وأذون الخزانة هي أفضل هذه الوسائل للسيطرة على السيولة، بمعنى آخر أنه حجم معين يستطيع البنك المركزي أن يستغله إما في زيادة السيولة أو في تخفيضها بطريقة سهلة وأقل تكلفة.. لكن الواقع أذون الخزانة وجدت لهذا الغرض ولم توجد لأغراض تمويل المشاريع الكبيرة لأن هذا يتطلب أدوات مالية مختلفة.
* ما هو الحاصل عندنا؟- الحاصل عندنا أن هذه الوسيلة تم إنشاؤها في 1996م لمساندة السياسة النقدية في البلاد وهو أن تمكنها من إدارة النقود بكفاءة، لكن منذ ذلك الوقت لم يتم تقييمها وكان البنك المركزي يعتمد عليها في أي لحظة لسحب السيولة، لكنه لم يمارس يوماً ما إعادة ضخ السيولة، فكانت تتم كلما رأى البنك المركزي سيولة في السوق يتم ضخ الأذون لسحبها.
* قيل أنه عرض عليك محافظ البنك المركزي؟- لم يعرض علي.
* هل أنت نادم على رفضك لوزارة الصناعة والتجارة؟- لست نادماً على رفضي لوزارة الصناعة لأنني كما يعلم الله لم يكن لدي رغبة كبيرة في أي منصب وإنما أعتبر الخدمة العامة تضحية ولذلك فقد ضحيت بكثير من مصالحي الشخصية في وزارة المالية.. وأيضاً منعت أقاربي وأصدقائي وبالتالي لم أجني من هذا المنصب إلا الهم ولكن كنت سعيداً لأنني أعتقد أني أخدم هذه الأمة..
* ولماذا رفضت وزارة الصناعة؟- رفضت هذه الوزارة لأنها ليس لديها وظيفة محددة وغير قادرة على المشاركة في إدارة الاقتصاد الوطني.. وأيضاً لأنه بعد ما عملته في المالية أشعر أني ظلمت..
* هل كان لديك شعوراً أن ذلك نوع من العقاب؟- لا.. ليس عقاباً وخصوصاً عندما تأكد لي أن الأخ الرئيس كان موقفه معي حتى اللحظة الأخيرة.. ولكن شعرت أنني لن أستطيع العمل مع هذا الفريق وخصوصاً إذا شعرت أنه كان ضدي وبالتالي فأي تصرف مني سيفسر أنه استفزاز أو انتقام وأي تصرف منهم سأفسره أنه إذلال.
* أنت الآن كما سمعت تمسك ملفات اقتصادية في الرئاسة.. فمعنى هذا أن مشورات اقتصادية ستأتي منك للرئيس وتذهب للحكومة؟- أنا لم أكن ضد الرئيس ولم أكن حتى ضد الحكومة لأني أعتقد أن ما يعمله الرئيس وما تعمله الحكومة سينعكس إما سلباً أو إيجاباً على هذا الوطن.. وبالتالي فأنا مستعد أن أساعدهم فيما أستطيع القيام به.. الرئيس طلب مني أن أحضر وأداوم في الرئاسة قبل أسبوعين وذهبت باعتباري مواطن يمني وهذا رئيس لليمن وإذا طلب مني المساعدة فإنه لا ينبغي علي التراجع.. لكن لا أقول أنني حتى الآن ماسك ملفات اقتصادية معينة ولا أطمح لذلك.. وأنا سأسعى لأن أكون صادقاً مع الأخ الرئيس في كل ما يستشيرني فيه.. وأن أقدم الرؤية الموضوعية وليس الرؤية السياسية فقط.. وأتمنى أن يساهم ذلك في ترشيد القرار قدر ما أستطيع.
* لاحظت أن الصورة الوحيدة الموجودة في بيتك هي مع الرئيس.. والاستثناء الوحيد في تناولاتك هو الرئيس.. كيف تفسر هذه الحالة؟- أنا معجب بشخصية الأخ الرئيس وفي قرارة نفسي أن الرئيس يعمل ما في وسعه لخدمة الوطن.. وأنه مستعد لتقبل الآراء إذا ما طرحت له بشكل موضوعي.. وأنه لا يتمترس وراء قيود لا إيديولوجية ولا قبلية.. فالرئيس رجل يمني وطني لا يفرق بين مواطن ومواطن آخر.. والرئيس أيضا يحب الوطن ويبذل كل ما في وسعه لخدمة الوطن.. قد يخطئ ويصيب ولكن الهم الوطني موجود لديه..
* إذا تجاوزنا المعارضة.. قيادات مؤتمرية وأعضاء في اللجنة العامة يحملون الرئيس مسئولية ما يجري.. وما ينتج من أخطاء نتيجة للقرارات التي يتخذها بمفرده..؟- الرئيس هنا مظلوم لأنه كان يحاول الموازنة بين القوى السياسية المختلفة حتى داخل المؤتمر.. وهذه الشخصيات المتنفذة عندما تختلي بالأخ الرئيس لا تطرح عليه إلا همومها وهي التي تضطره للتدخل بين فترة وأخرى من أجل مصالحها، ولا أعتقد أن هذه الشخصيات التي تتلكم الآن في العلن وتحاول تحميل الرئيس المسئولية تقدمت بأي مشروع إصلاحي حقيقي قابل للتنفيذ والرئيس رفض.. ولكن إذا استجاب الرئيس لبعض مطالبهم يسكتون. وإذا لم يستجب يحاولون استغلال الحرية الموجودة وتحميل الرئيس هذه المسئولية..
* هل أصبح الرئيس قابلاً للابتزاز..؟- الرئيس هو رجل سياسي يريد أن يحافظ على مصلحة الوطن وأن لا تتفجر الأوضاع.. والسياسة هي فن الممكن، إذاً ففي بعض الأوقات قد يتطلب الأمر تقديم تنازلات وهذا ما يميز الرئيس.. لأن ما يترتب على عدم تقديم هذه التنازلات ضرر أكبر ولذلك يجب دفع الضرر بضرر أقل منه.. على قاعدة أخف الضررين.. فتجده يستجيب للمشايخ وللوجاهات الاجتماعية حتى يحافظ على السلام الاجتماعي..
* لكن هذه الرؤية لا تبني دولة..؟- هي لا تبني دولة ولكن توفر الظروف الملائمة لبناء دولة.. لأنه لا يمكن بناء الدولة الحقيقية في ظل الحروب وعدم الاستقرار والتأزمات الاجتماعية ولكن بالإمكان تحقيق تقدم ولو مؤقت يضاف كنوع من الاستقرار.. وكل ذلك تهيئة الظروف المناسبة لبناء دولة..
* ألا ترى أن هذه السياسات أنتجت هذه المشاكل التي تراها اليوم؟- من ينظر للأجل القصير يرى هذه التشوهات ولكن من ينظر للأجل الطويل يرى أن هناك تقدم.. اليوم هناك محاولة جادة لمنع السلاح وهذا الأمر كان مستحيلاً من قبل..* ألا تحاولون منع الجوع؟- سأقول لك.. الآن فيه محاولات لمنع السلاح وتأثير القبيلة قبل عشر سنوات كان كبيراً جداً حتى تأثير الوجاهات الاجتماعية على الدولة كان كبيراً جداً.. الآن انخفض.
* لم ينخفض وهناك اليوم محاولات لاستخدام القبيلة من جديد..؟- تحاول من خارج إطار الدولة.. لأنها نجحت في الاستيلاء على الدولة سابقاً.. واليوم من خارج إطار الدولة وهذا دليل أنها فشلت في تحويل الدولة إلى دولة قبلية.. وهذا مؤشر جيد.. فهي الآن تحاول اللجوء إلى الديمقراطية.. إذاً نحن على المدى الطويل، وعلى الرئيس بناء الدولة خطوة خطوة كلما كان ذلك ممكناً بحيث لا يؤدي إلى استفزاز القوى السياسية لإجهاض هذا المشروع وإدخال البلاد في دوامة من الصراعات.
* لدينا حكومة تشكلت.. واليوم المشاكل الاقتصادية الناجمة عن ارتفاع الأسعار القضية الأساسية لكل مواطن.. وأنت خبير اقتصادي.. ما الذي ستعمله لو كنت رئيساً للحكومة لإيقاف هذا التدهور؟- هناك معالجات قصيرة الأجل وأخرى طويلة، القصيرة أن نعوض هؤلاء الناس الذين دخلهم ثابت (الموظفون) ولم يستطيعوا تغيير أسعارهم لأنك ستجد أن مزارع البطاط رفع سعره، وبالتالي فهو معوض ومزارع القات كذلك.. وأيضاً دراسة السوق وعمل كل ما يمكن لجعله أكثر تنافسياً ولحل أي مشاكل أمام القطاع التجاري.. وعمل الاحتياجات اللازمة لتوفير مخزون استراتيجي من هذه المواد.
* هل كان دعم المؤسسة الاقتصادية من قبيل الإجراءات السليمة..؟- لا أعتقد.. لأن دعم المؤسسة الاقتصادية كان رجوع إلى الوراء.. وإذا تم دعم القمح فلن يتم التخلص منه بسهولة مرة أخرى.. ونحن لا ندري إلى أين ستنتهي أسعار القمح.. وأيضاً كما قلت لك المتضررين من هذا الارتفاع هم قلة من الناس، لكن البعض الآخر تضرر بشكل أقل لأنه رفع سعر سلعته.. وأيضاً دعم القمح سيجعل الناس يستهلكوه بكميات أكبر فوق طاقة البلاد ويدخلها في إشكاليات لن تخرج منها.. وعلى الأجل الطويل هناك خطأ أو تشوه في إدارة الاقتصاد وإدارة التنمية الاقتصادية.. والهدف أن تكون التنمية متوازنة وتصل إلى كل مناطق اليمن وإذا ما أخذنا التشتت الجغرافي الموجود في اليمن فإن هذه مستحيلة ومكلفة جداً والأفضل من ذلك أن نسعى إلى إفادة الناس ولكن أن نعمل على إعادة تجميع السكان في مدن وتجمعات سكنية تجعل من السهولة توفير هذه الخدمات وفي هذا الإطار كان هناك عدد من البؤر التي يمكن تشجيعها لتعمل على جذب السكان وعلى جذب الاستثمارات فعلى سبيل المثال بالإمكان تحويل مدينة عدن إلى مدينة حرة..
* قد نهبت أراضيها؟- حتى ولو.. لأن أراضي الصحراء لا زالت موجودة.. وهذا الذي أخذ الأرض مواطن يمني مهما استفاد فهو يصب في إطار الوطن.. لكن هذا العمل سيجعل النشاط الاقتصادي يزداد في عدن وبالتالي العائد على الاستثمارات سيزداد وهذا سيقنع المستثمر الأجنبي أن هناك طلب وسيأتي إلى عدن..
* لماذا فشلت هذه الرؤى..؟- فشلت هذه الرؤى لأنه تم الإعلان عن عدن منطقة حرة ولم توفر الحكومة لهذه المنطقة المبالغ الكافية وثانياً أن هذه القيادة ليست مبدعة وليست قادرة على أنها تسوق هذه المنطقة بأساليب مختلفة فظلت معتمدة عل الدولة وترد اللوم عليها..
* السياسة الاقتصادية التي تتبعها الحكومة هل تصفها بالنجاح أو الفشل؟- من حيث المبدأ نستطيع القول أن الحكومة منعت تدهوراً كبيراً كان سيحصل.. لكنها لم تستطع حتى الآن تحقيق انطلاقه إلى المستقبل.
* تقول الحكومة أن ارتفاع الأسعار عالمي.. كم نسبة الارتفاع العالمي فيها؟- أعتقد أن التأثير العالمي في ارتفاع الأسعار 50% و 50% الأخرى جزء كبير منها يعود للسياسة النقدية لأنه تم تثبيت الريال مقابل الدولار، والدولار أمام اليورو يتذبذب والتاجر يأخذ الأنسب.. وبالتالي كان بالإمكان امتصاص جزء من هذه السيولة.. ثانياً خوف الناس وهلعهم لأن اليمني في تاريخه كان يحصد في السنة ويوفر مخزون استراتيجي للعام كاملة وحينما شعروا أن هناك ارتفاع في الأسعار تكالبوا على هذه السلع مما أدى لارتفاعها.. وثالثاً بالمحاكاة الناس رفعوا أسعارهم لبقية السلع.. وكان بالإمكان إذا كان هناك سياسة اقتصادية حكيمة أنها تقلل هذا الارتفاع على الأقل إلى 50% لكن لا تستطيع أن تمنعه..
* ذكرت في أحد مقابلاتك المؤسسة الاقتصادية التي تعتبر لغز في اليمن.. من يمتلكها.. وما الذي يحصل فيها؟- في الحقيقة أقول أنا لم أطلع على موازنتها وقد حاولت ولكنهم رفضوا أن يعطوني موازنتها.
* لماذا؟- على اعتبار أنها ملك للقوات المسلحة كأفراد وليس ملك للحكومة وقلت لهم حينذاك إذا كانت لأفراد فلا بد أن يعملوا هيئة من الأفراد.. طبعاً المؤسسة تستغل ضعف الحكومة بأنها في فترات معينة كانت تمولها إذا كان هناك مشروع أو مهمة لا يوجد لها تمويل في الموازنة تلجأ إلى المؤسسة وتقدم قروض للحكومة وتفرض شروطها وبالتالي هذا هو مبررها الوحيد الذي تطرحه أمام الرئيس وأمام مجلس الوزراء أن لها مهمة.. عندما كنت وزيراً للمالية حاولت إلغاء هذه الوظيفة وذلك بإعطاء المؤسسات الموازنة الكافية.. القوات المسلحة مثلاً حددت لهم مقابل الغذاء بما يكفيهم ولا داعي أن يقترضوا من المؤسسة وأيضاً فيما يخص الوقود وكثير من المهمات وهنا تستطيع الشراء من المؤسسة أو غيرها.. إذاً لغزها هو استخدام نقطة الضعف هذه أمام الحكومة.. لكنها مكلفة لأنها لا تخضع في كثير من الأمور لقانون المناقصات والمزايدات ويتم تكليفها بالأمر المباشر والأسعار ربما تكون مرتفعة ونظام الجودة غير منضبط، لكن يجب أن ينظر لها في هذا الإطار..
* أين تذهب أرباحها؟- تذهب لتمويل هذه الصفقات الحكومية في الغالب.. عندما تشتري الحكومة منها سلعة وتتقاضى الدين بعد سنة أو ستة أشهر تتحمل الحكومة تكاليف هذا.. وكان يقال أن جزء من الأرباح تطور بها نفسها لكن هذا التطوير لا يتم وفق نظام محدد ومعايير واضحة وتدخل في أنشطة لا حاجة لها بها.
* من المخول بالإطلاع على هذه التفاصيل؟- المدير العام.
* ومن أين استمد هذه الصلاحيات؟- استمد صلاحيته لأنه لم يجد من يطالبه لأن الناس يخافوا ويصورها أنها تبع الرئيس وهي ليست كذلك ولا علاقة للرئيس بها لا من قريب ولا من بعيد.
* هل تستطيع أن تبلغ الرئيس باستشارة اقتصادية في هذا الشأن..؟- عندما أرى الوقت المناسب.. لأنها شريك أساسي تقدم الكثير من الخدمات فإفشالها وبالذات الآن ليس أوانه.. وفي نهاية المطاف لا بد أن تظهر إلى العلن ويعرف الرأي العام ما لها وما عليها.
* وزير النفط يقول في أكثر من موقف أنه لا يوجد انخفاض في الإنتاج النفطي بينما رئيس الوزراء قدم تقرير يقول فيه أن السبب الأول في أزمات الاقتصاد هو انخفاض الإنتاج النفطي!؟- لا أدري على أي معلومة استند الأخ وزير النفط وكل المؤشرات تدل على أن هناك انخفاض ما بين 20-25% وربما يصل إلى 30% من إنتاج النفط.. لكن السؤال.. هل هذا الانخفاض مؤقت؟وبالتالي نتوقع في الربع الأخير من هذا العام أو في العام القادم عودة الأمور إلى ما كانت عليه.. وهنا أريد التركيز على قضية مهمة وهو عندما تم إلغاء التعاقد مع شركة هنت وتم إنشاء الشركة الوطنية صافر كان ذلك استعجال ولم يؤخذ بعين الاعتبار إمكانية شركة صافر على إدارة هذه الحقول لأن عملية إنتاج النفط ليست عملية سهلة وتحتاج إلى خبرات كبيرة جداً.. وهذه الشركة الآن تتحجج أنه لم يتم تمويلها بشكل كامل.. وعندما كنت وزيراً للمالية دخلت معهم في نقاش وقلت لهم أنا مستعد أمولكم ولكن على أي أساس.. هل الحكومة شريكاً؟ أم هل هذا المال مستثمر وسيعود علينا منه أرباح؟ لكن أعطيكم أموال غير منضبطة فهذا غير صحيح..إذاً هناك مشكلة قانونية يجب النظر فيها بأسرع وقت ممكن وتحديد مصير صافر.. هل هي شركة مستقلة؟ أم أنها شركة تابعة للقطاع العام؟ وما هي الأموال الضرورية لاحتياجاتها؟ وهل بالإمكان إيجاد مشغل آخر لديه قدرة فنية وإدارية على تشغيل هذه الحقول بكلفة أقل وبعائد أكبر؟وقد يعود الانخفاض لهذه الأسباب أو قد يعود لأسباب أخرى.. لكن قطاع النفط لا بد أن تعاد هيكلته..
* هناك مبادرة الشفافية في الاستخراجات النفطية والمعدنية.. وزير النفط عمل مجلس شفافية يفترض فيه أن يمثل القطاع المدني وبقية الفئات.. لماذا هذا التستر والخوف من الأرقام والفوارق؟- أعتقد أن قطاع النفط في اليمن شفاف فكل سِنْت يدخل من النفط يدخل إلى الخزينة العامة.. وأنا كنت عضواً في لجنة تسويق نفط وأيضاً كوزير مالية أراقب تدفقات إيرادات النفط ولا أرى أن هناك أموالاً تذهب خارج إطار الموازنة العامة على الإطلاق.. وبالتالي يجب أن لا نخاف فنحن في اليمن ليس لدينا حصة تذهب للرئيس أو حصة لنائبه وهذا الكلام غير صحيح.. فكل دولار من إيرادات النفط فيما يخص اليمن يذهب للخزينة العامة..
* ولماذا هذا التناقض؟- لا أدري.. ربما هناك مخاوف لا أساس لها وأنا لا أرى أن هناك مشكلة في هذا المجال على الإطلاق وينبغي أن تكون هذه البيانات متاحة لكل الناس.
* وهذا المجلس الذي كون بهذه الطريقة ألا يدل أن هناك خوف؟- هذا المجلس هو أحد مطالب البنك الدولي في إطار معايير الشفافية وبالتالي هذا المجلس ستكون البيانات التي تمر عبره قابلة للمراجعة بواسطة محاسبين دوليين وهنا لا يوجد خوف لأن الشركات التي تنتج النفط هي شركات أجنبية وهي مسجلة في أسواق المال في كثير من الدول.
* الدكتور سيف يظهر في أوقات الأزمات بكتابات سياسية ضد هذا الحزب أو ذاك.. هل لديك الوقت لتجمع كل هذا التنوع؟- أنا لا أخزن مع الناس ومعظم وقتي هو للقراءة والكتابة.. وأنا متضايق من المعارضة لأنها هي المفتاح الأول لترسيخ دعائم الديمقراطية لأنه ليس لديها كثير من المصالح لتضحي بها، فعليها أن تكون معيار للحزب الحاكم لأنها بعيدة عن كثير من الأخطاء التي يتحملها الحزب الحاكم وهي أخطاء السلطة.. وعندما أرى هذه الأحزاب تتصرف بدافع الأنانية الذاتية أو أنها أعطت لنفسها مساحة من الحرية وليس هناك خطوط حمر كالوحدة واستقرار البلاد والديمقراطية، أعمل على إيجاد تلك الرسالة لها علها أن تستوعبها وتكون قادرة على الاستفادة منها.. وفي بعض الأحيان أرى أنها تزايد وأرى أن الحزب الحاكم لا يستطيع الدفاع عن نفسه في كثير من القضايا..
* هل تعتقد أنك تقوم بما لم يقم به المؤتمر في الدفاع عن نفسه؟- نعم.. أقوم بما لم يقم به المؤتمر لأنني أرى بقاء المؤتمر وبقاء الأحزاب ضمانة لليمن.. وأنا لست عضواً رسمياً في المؤتمر وإنما أنظر للمصلحة الوطنية فهي لا تتحمل انقلاب جهة على جهة في السلطة فإذا كان من حق المعارضة أن تبقى فمن حق المؤتمر ذلك لأنه يمثل قوة سياسية كبيرة جداً وبالتالي محاولة إسقاطه أو إخراجه من السلطة قد لا يكون لصالح اليمن.
* ألا ترى أن أخطاء المؤتمر والسلطة تقتلهم؟- لها أخطاء ولكن يجب أن نعترف أن لها إنجازات ونبحث عن البديل.. إذا كان البديل أفضل من المؤتمر فليكن، لكن إذا كان البديل أسوأ من المؤتمر ينبغي أن لا نسمح به.. لأننا نرى هنا المصلحة الوطنية..
* تود قول شيء لم أسألك عنه؟- أقول أن بناء الدول وبناء الحضارات وبناء المشاريع الوطنية عمل معقد ويحتاج إلى جهود كل الناس وليس فقط الرئيس وأيضاً يحتاج إلى وقت وصبر.. صحيح علينا أن نتقدم خطوة إلى الأمام لكن يشترط أن هذه الخطوة إذا لم نتمكن من البقاء عليها لا نتراجع عشر خطوات إلى الوراء وهنا يجب على كل القوى السياسية أن تنظر إلى هذه الحقيقة وأن تكون برامجها ومطالبها بما هو معقول وممكن لا بما هو تعجيزي وغير ممكن لأنه سيضر المعارضة قبل الحكومة إذا ما تمكنت من إخراج المؤتمر من السلطة فستكون مطالبه بنفس المطالب، فإن كانت مطالبها واقعية وقابلة للتنفيذ ستستفيد.. وإن كانت غير ذلك فأنت أدخلت اليمن في حالة من عدم الاستقرار وأضعفت ثقة الناس بالعملية الديمقراطية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق