الأحد، 6 سبتمبر 2009

صعدة.. لن تبقى دَيْن اليمن إلى مَيْسرة!!

التمرد "الحوثي" ومخرجاته الخطيرة على مستقبل اليمن والمنطقة

كتب/ رئيس التحرير:لم يكن يتوقع المتمردون "الحوثيون" أن تكون حربهم السادسة بهذه القوة والجدية في المباغتة ودقة الضربات الجوية والبرية من جانب القوات الحكومية رغم أن زعيم التمرد عبد الملك الحوثي كان راغباً في خوضها معتقداً بأنها ستكون على غرار ما آلت إليه جولات الحروب السابقة وتحديداً جولتي الحرب الرابعة والخامسة، بحيث يمكنه إرهاق وحدات الجيش بحرب عصابات تعتمد على أساليب الكر والفر وتنفيذ الهجمات المباغتة على المعسكرات والنقاط الأمنية والمراكز الحكومية وقطع طرق الإمدادات العسكرية والاستيلاء على كميات من هذه الإمدادات في عمليات خاطفة والعودة السريعة إلى المعاقل والمخابئ المحصنة في الجبال والمسيجة بالقرى والمزارع، وبالتالي تشتيت الوحدات العسكرية على جبهات جديدة تتزايد يوماً بعد يوم في أنحاء محافظة صعدة والاعتماد على جبهة "الحوثيين" في منطقة حرف سفيان التابعة لمحافظة عمران وجبهة الملاحيظ المجاورة لاستنزاف وحدات الجيش وعرقلة تقدمها باتجاه محافظة صعدة، حيث لا يمكن للقوات الحكومية أن تتجاوز مديرية حرف سفيان بدون القضاء على معاقل وجيوب "الحوثيين" حتى لا تترك وراءها عدواً يضربها من الخلف ويقطع عنها الإمدادات ويستولي على بعض منها ويستهدف معنويات الجيش وعقيدته القتالية القائمة على أساليب ووسائل الحروب التقليدية النظامية وليس حرب عصابات تخوضها جماعات مسلحة تدفعها تعبئة عقائدية ومذهبية راسخة بأنها تقاتل جيشاً عميلاً لأميركا – وإسرائيل وتدافع عن مذهبها ودينها تحت راية الموت لأميركا والموت لإسرائيل النصر للإسلام، ناهيك عن كون هذه المجاميع "الحوثية" تمتلك أسلحة متطورة ومخزوناً بشرياً من الأتباع والأنصار يأتون من داخل صعدة وخارجها بدافع الجهاد في سبيل الدفاع عن آل البيت ومحاربة أميركا – وإسرائيل والتصدي لدولة لا تمتلك حسبما يعتقدون شرعية الولاية والحكم، وهو ما تحاول الحركة "الحوثية" تأصيله كقاعدة شرعية للمذهب الزيدي "الشيعي" كرستها بين أتباعها وأنصارها منذ بزوغ الحركة تحت مسمى "حركة الشباب المؤمن" في منتصف تسعينيات القرن الماضي وحتى تمكن زعيمها حسين بدر الدين الحوثي من تحويلها إلى حركة تمرد مسلح صيف عام 2004، عندما قاد الحرب الأولى وقتل في جبال مران على يد القوات الحكومية في مطلع إيلول (سبتمبر) من ذلك العام.وحظيت الحركة "الحوثية" بدعم الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) في بداية تأسيسها في منتصف تسعينيات القرن الماضي بناء على حسابات سياسية هدفت إلى ضرب نفوذ التجمع اليمني للإصلاح (الإسلامي المعارض) في صعدة وعدد من المناطق في المحافظات المجاورة بحيث شهدت في مطلع الألفية الثالثة حضوراً ملحوظاً للمعاهد والمدارس التابعة لما كان يعرف بحركة "الشباب المؤمن" تحت سمع وبصر الدولة، كرست لتدريس علوم المذهب الزيدي لأتباعها والمريدين والأنصار ولاقت إقبالاً كبيراً وخصوصاً بين صفوف التلاميذ والطلاب بين عمر الـ 14 و21 عاماً الذين كانوا ينهلون من محاضرات ودروس (ملازم) حسين بدر الدين الحوثي منهجاً ثورياً تحت ذريعة إحياء المذهب الزيدي والدفاع عنه من أعدائه، مستمداً من تجربة قائد الثورة الإسلامية في إيران الإمام الخميني، ومتخذين من شعار الخميني (الله أكبر- الله أكبر- الموت لأمريكا- الموت لإسرائيل- النصر للإسلام) شعاراً للحركة الحوثية بدأ "الحوثيون" بترديده في أثناء صلاة الجمعة في مساجد صعدة، وصنعاء، وذمار، وعمران، وحجة، وفي التظاهرات والمواجهات التي خاضها "الحوثيون" في العاصمة صنعاء تحديداً مع رجال الأمن قبل شهور من انطلاق شرارة التمرد المسلح التي أطلقها زعيم الحركة حسين الحوثي في جبال مران في عام 2004، حيث بدا أن الحزب الحاكم يخوض حرباً مع نفسه عندما شعر بأن مخرجات الحركة الحوثية أثمرت تمرداً مسلحاً موجهاً ضد الدولة وسيادتها ودستورها وليس ضد نفوذ الإصلاح كما كان يعتقد أو كما أراده بداية الأمر.

الانتصار الأول والحسم المطلوبوفي هذا السياق يمكن القول بأن القوات الحكومية حققت الانتصار الأول والوحيد على المتمردين "الحوثيين" في الحرب الأولى، غير أنه لا يمكن القول بانتصارها في الجولات الأربع التالية من هذه الحروب، كما أنه لا يمكن الجزم بهزيمتها وإنما يمكن القول بأن "الحوثيين" نجحوا إلى حد كبير في إرهاق وحدات الجيش بحرب عصابات خاضوها بامتياز من الناحية التكتيكية" والميدانية، واستفادوا من فترات الهدنة التي تخللتها في بسط نفوذهم على معظم مديريات صعدة وبناء تحصيناتهم وتعزيز مخزونهم البشري واحتياطاتهم التسليحية والتموينية وترتيب جبهات هجومية ودفاعية متقدمة في منطقة حرف سفيان على الحدود الجنوبية الشرقية لمحافظة صعدة أسهمت في تعزيز دفاعات "الحوثيين" المتقدمة في الحربين الرابعة والخامسة، إضافة إلى تمكن "الحوثيين" من فتح جبهة قوية على مشارف العاصمة صنعاء في منطقة بني حشيش والتي تمكنت نخبة من وحدات الحرس الجمهوري من سحقها أثناء الحرب الخامسة بعد أسابيع من المواجهات الدامية خلفت المئات من القتلى والجرحى أغلبهم "حوثيون"، إضافة إلى تدمير كبير في القرى والمزارع والممتلكات كانت ثمناً باهظاً لما يمكن اعتباره انتصاراً جزئياً للقوات الحكومية في جولة الحرب الخامسة التي توقفت مرحلياً بقرار أعلنه الرئيس علي عبدالله صالح في 17 يوليو (تموز) العام الماضي من جانب واحد، غير أن زعيم التمرد عبد الملك بدر الدين الحوثي رحب بقرار الرئيس صالح بوقف الحرب دون إعلان من جانبه عن التزامات أو تعهدات لتحقيق السلام بما في ذلك بنود اتفاق الدوحة الذي تجاهله الطرفان ولم يطالب "الحوثيون" بتحقيق السلام بناء على ذلك الاتفاق، حيث اعتبر "الحوثي" قرار وقف الحرب الخامسة من جانب الحكومة بدون اتفاق الطرفين بمثابة انتصار ضمني لـ"التمرد" لا يحتاج إلى استفزاز الحكومة بالتأكيد عليه علناً، كما أن معطيات انتهاء أو توقف الحرب الخامسة أكدت توافق الطرفين على استبعاد اتفاق "الدوحة"، ذلك أن عبد الملك الحوثي لم يعلن تمسكه بمضامين اتفاق الدوحة أو يطالب بالعودة إلى طاولة الحوار مع الحكومة والوسطاء على خلفية ذلك الاتفاق بعد إعلان الرئيس صالح انتهاء الحرب الخامسة، خصوصاً وأن الحكومة كانت تكرر اتهامها لـ"الحوثيين" بأنهم هم من خرق اتفاق الدوحة ولم يلتزموا بتنفيذ أهم بنوده المتعلقة بتسليم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة للدولة والنزول من الجبال وإنهاء كافة الأعمال المسلحة والتعاون مع السلطة المحلية في جهود إعادة إعمار ما دمرته الحرب في صعدة عبر صندوق خاص كانت قطر وعدت بأن تساهم في تمويله بمبلغ يصل إلى نصف مليار دولار.

قطر الوسيط الغاضبواتضح في ما بعد أن قطر تخلت عن هذا الالتزام بعد أن شعرت بفشل وساطتها.. خصوصاً وأن الحكومة اليمنية اعترفت في ما بعد على لسان الرئيس صالح بأن قبولها بالوساطة القطرية كان خطأ فادحاً لأن هذه الوساطة كرست ندية "الحوثيين" للدولة وأعطت للتمرد بعداً خارجياً، الأمر الذي أغضب القيادة القطرية وبالتالي قررت الرد على موقف صنعاء بالانحياز إلى أطروحات "الحوثيين"، خصوصاً وأن عبد الملك الحوثي تعمد استحضار اتفاق الدوحة في مواقفه وبياناته الإعلامية مع اندلاع شرارة الحرب السادسة مطلع الشهر الماضي، مؤكداً التزامه بنصوص وبنود هذا الاتفاق في أي مفاوضات مع الحكومة.وفي ضوء ذلك تأتي تغطية قناة "الجزيرة" القطرية لتطورات حرب صعدة على خلفية الوساطة القطرية "واتفاق الدوحة" الذي مضى عليه أكثر من عامين، وهو ما دفع بالحكومة اليمنية أخيراً إلى إعلان موت واتفاق الدوحة على أيدي المتمردين "الحوثيين" بلسان وزير الإعلام المتحدث الرسمي باسم الحكومة والذي أكد بأن الحرب السادسة التي تخوضها القوات المسلحة والأمن لن تتوقف ما لم يمتثل "الحوثيون" لشروط اللجنة الأمنية العليا، ما يؤكد عملياً بأن الحكومة اليمنية قررت العودة بالمواجهات مع "الحوثيين" إلى مربع الخيارات الداخلية التي تفرضها نتائج العمليات العسكرية التي أكد الرئيس علي عبدالله صالح بأنها لن تتوقف وأن القوات المسلحة والأمن ستلقن "الحوثيين" درساً قاسياً، متوعداً باجتثاث التمرد والقضاء عليه في مديريات صعدة وحرف سفيان وأينما وجد ما لم يمتثل "الحوثيون" للشروط الستة التي أعلنتها اللجنة الأمنية العليا.ورغم الارتياح القطري مما تعتقد الدوحة أنه تمسك باتفاق الدوحة من جانب "الحوثيين" إلا أن عبد الملك الحوثي وجد نفسه مضطراً أمام الضربات العسكرية للجيش لتقديم أكثر من مبادرة لوقف الحرب وإعادة السلام إلى صعدة وعمران، متجاهلاً "اتفاق الدوحة"، حيث نشرت صحف ومواقع إخبارية على شبكة "الإنترنت" مبادرة نسبتها لأقارب زعيم "التمرد" عبد الملك الحوثي ردت عليها الحكومة بالرفض كونها لا تتفق في بنودها مع شروط اللجنة الأمنية العليا، ثم تبعتها مبادرة أخرى لـ"الحوثي" لم تتطرق هي الأخرى لاتفاق الدوحة ورفضتها الحكومة لأنها لا تتضمن موافقة "الحوثي" والتزامه الصريح بشروط اللجنة الأمنية.

تأييد خليجي عربيورغم أن الحكومة اليمنية تلقى تأييداً خليجياً وعربياً غير مسبوق لجهة القضاء على التمرد في صعدة عسكرياً في حربها السادسة، وهو ما أكد عليه الاجتماع الأخير لوزراء دول مجلس التعاون الخليجي في جدة الثلاثاء الماضي بما فيها دولة قطر، إلا أن وسائل الإعلام والصحافة القطرية وفي مقدمتها قناة "الجزيرة" لا تزال تتعاطى مع حرب صعدة على خلفية اتفاق الدوحة، خصوصاً وأنها تبث صوراً لـ"الحوثيين" تظهر استيلاءهم على معدات عسكرية للجيش بينها دبابات ومدافع وعربات مدرعة وسيارات أمنية ومواقع عسكرية يقول "الحوثيون" بأنهم دمروها أو استولوا عليها، والإيحاء بأن القوات المسلحة اليمنية غير قادرة على الحسم العسكري وبأن "اتفاق الدوحة" الذي أعلنت الحكومة اليمنية وفاته لا يزال هو الخيار الأفضل بالنسبة لها، خصوصاً وأن الدوحة لم تعلن رسمياً انتهاء وساطتها في صعدة حتى اليوم.

القائد الأوحد والتورط الإيرانيوفي هذا السياق يجمع القريبون من عبد الملك الحوثي بأنه أقدر من شقيقه حسين على المناورة الإعلامية منذ أن أصبح القائد السياسي والعسكري الفعلي لحركة "الحوثي" خلفاً لأخيه حسين بدر الدين منذ الحرب الثالثة، حيث يعتقد بأن والدهما بدر الدين الحوثي الذي أشرف على الحرب الثانية تمكن من إزاحة القادة البارزين والميدانيين ممن كانوا الذراع الأيمن لنجله حسين في الحرب الأولى وقبلها مرحلة التأسيس للحركة عن واجهة القيادة الميدانية والسياسية وتحشيد المؤيدين من القبائل الموالية والقادة الميدانيين لنجله عبد الملك الحوثي، وخصوصاً ممن ينتمون للأسر الهاشمية الموالية للحركة أو ممن تربطهم علاقة قرابة ومصاهرة مع أسرة بدر الدين بحيث أصبح عبد الملك بدر الدين القائد الفعلي لحركة التمرد والحائز على التأييد المطلق لأغلبية أعضاء الحركة وأتباعها وأنصارها في اليمن، وبات عبد الملك الحوثي هو من يختار ممثليه في جولات التفاوض مع الحكومة ولجان الوساطة بما في ذلك اتفاق الدوحة مع الحكومة برعاية قطرية قبل نهاية الحرب الثالثة.. والذي يحظى بثقة المؤيدين والداعمين في إيران وبعض الحوزات "الشيعية" الموالية لطهران في بعض دول الخليج والعراق والتي لا شك أنها تتعاطى مع حركة التمرد "الحوثية" في اليمن على أنها جزء من الثورة الشيعية وتتصدر أجندة النفوذ الإيراني في المنطقة باعتبارها شوكة موجعة على خاصرة السعودية بالقرب من حدودها الجنوبية مع اليمن، ناهيك عن كونها وسيلة ضغط على اليمن ومصدر إزعاج وقلق للنفوذ والمصالح الأميركية- والأوربية في منطقة الخليج والسعودية والقريبة من مياه الخليج العربي والبحرين العربي والأحمر ومضيق باب المندب والتي لا تخفي طهران طموحها في التواجد القوي في هذه المنطقة في ضوء التصريحات الأخيرة لقائد الحرس الثوري الإيراني عن ضرورة الوجود الإيراني العسكري في خليج عدن لحماية المصالح الإيرانية، مؤكداً بأن صواريخ إيران يمكنها أن تصل إلى أي منطقة، وهذه إشارة واضحة تنم عن تلويح إيراني يمقدرتها على دعم أنصارها في المنطقة عسكرياً إذا لزم الأمر، خصوصاً وأنها جاءت في ظل اشتعال الحرب السادسة بين القوات الحكومية- والمتمردين الحوثيين في صعدة وحرف سفيان، وبعد ساعات على اتهام طهران للسعودية بمساندة القوات المسلحة اليمنية في قصف المواقع "الحوثية" بمقاتلات سعودية وادعاء الإعلام الإيراني بوجود طيارين عراقيين ضمن سلاح الجو اليمني الذي ينفذ عمليات قصف معاقل المتمردين، وهو ما نفته صنعاء جملة وتفصيلاً، ناهيك عن كونها ادعاءات لا تمت للحقيقة والمنطق بشيء، وبالتالي جاء رد الحكومة اليمنية باستدعاء وزارة الخارجية السفير الإيراني في صنعاء وإبلاغه احتجاجاً رسمياً على اللغة العدائية التي يتبناها الإعلام الإيراني وصحافة طهران ضد اليمن وانحيازها الكامل للتمرد، وبعدها جاءت تصريحات الوزير الدكتور أبو بكر القربي بأن الحكومة اليمنية قد تضطر لاتخاذ إجراءات باتجاه إيران لم تكن ترغب في اتخاذها.والحاصل أن الحكومة اليمنية حاولت منذ صيف العام 2004 وعلى مدار خمس حروب أن تقضي على التمرد "الحوثي" عسكرياً، وتخللتها محاولات هدفت لاستدراج "الحوثيين" إلى اتفاق سلام عبر عديد مفاوضات ووسطاء بما فيها القبول بالوساطة القطرية على مضض وتوقيع اتفاقين برعاية الدوحة مع "الحوثيين" بعد أن شعرت الدولة اليمنية بأن محيطها الخليجي والعربي بتجاهل الخطر "الحوثي" على السيادة اليمنية وعلى الأمن الإقليمي لدول الجوار التي فضلت التعاطي مع المواجهات بين الحكومة – و"الحوثيين" على أنه شأن داخلي ربما تحاشياً للدخول في مواجهة مباشرة أو غير مباشرة مع إيران في اليمن، وربما لعدم منح إيران ذريعة لمثل هكذا مواجهة، خصوصاً وأن مواقف واشنطن وأجندتها لجهة الحد من النفوذ الإيراني وحسم الأزمة النووية مع طهران ليست واضحة أو محسومة.. وربما اعتقدت دول الجوار الخليجية بأن واشنطن قد تكون مستعدة لتقديم تنازلات لإيران على حسابها في إطار ما يعرف بوديعة الحوافز الأميركية – الأوربية لإيران في مقابل التخلي عن طموحاتها النووية، خصوصاً إذا ما علمنا بأن هذه الحوافز لا تقف عند حدود معينة وربما تتضمن منح إيران نفوذاً في المنطقة في إطار تنازلات أميركية- أوروبية من غير المستبعد أن تشمل غض الطرف عن الدعم الإيراني لـ"الحوثيين" في اليمن وممارسة ضغوط سياسية واقتصادية على الحكومة اليمنية تجبرها على تقديم تنازلات لـ"الحوثيين" عبر مفاوضات مباشرة تؤدي إلى اتفاق سلام على غرار الوساطة القطرية، بدلاً من القضاء على "التمرد" عسكرياً تجنباً لإغضاب طهران. وبالمقابل جاءت الاتهامات اليمنية لإيران بدعم التمرد الحوثي في صعدة على استحياء في بادئ الأمر، ذلك أن صنعاء المثقلة بالأزمات الداخلية لا ترغب في فتح جبهة مواجهة مع الدولة الإيرانية بقدر رغبتها تحييد طهران التي ردت رسمياً على الاتهامات اليمنية بالنفي، وأكدت حرصها على وحدة اليمن وأمنه واستقراره.ورغم أن طهران تقول بأن ما يحدث في صعدة شأن يمني داخلي إلا أنها تدعو الطرفين الحكومة – و"الحوثيين" إلى حل الخلاف سلمياً، غير أن هذا الموقف الرسمي للحكومة الإيرانية لا يتفق والانحياز الواضح لوسائل الإعلام والصحافة الإيرانية لـ"المتمردين الحوثيين" في تعاطيها وتغطيتها لأحداث صعدة، ما يعكس تناقضاً صارخاً بين ما تقوله الحكومة الإيرانية، وما يتناوله الإعلام الإيراني الذي دأب على اتهام القوات الحكومية باستهداف المدنيين وارتكاب مجازر وتدمير القرى والمزارع وتهجير السكان في صعدة وتبشيرها بانتصارات لـ"الحوثيين" وتبني خطابهم الإعلامي بحذافيره مسنوداً بآراء وتحليلات سياسية وتغطيات إعلامية وصحافية وكأنها لا تتحدث عن مجاميع مسلحة أعلنت التمرد على سلطة الدولة اليمنية ودستورها وقوانينها، وإنما تنقل عن طرف تعتبره كياناً مستقلاً داخل الدولة، ناهيك عن تعمد الإعلام الإيراني التعاطي مع حرب صعدة على أنها حرب تشنها الحكومة "السنية" على الأقلية الشيعية في اليمن.وفي ضوء هذه التطورات فإنه لا يمكن تجاهل الدور الإيراني عما يحدث في صعدة، ذلك أن تمرداً بحجم التمرد "الحوثي" عدداً وعتاداً، تسليحاً، وتكتيكاً ميدانياً لا بد وأنه يتلقى دعماً خارجياً مادياً ولوجستياً هائلاً، ما أعجز الجيش اليمني في خمس جولات من الحروب وأفشل كل محاولات ووسائل السلام لإنهائه أو حسمه، وتسبب في كل هذا الدمار والخراب والقتل والتهجير وخلف كل هذا الكم من الضحايا وسفك دماء أبناء الوطن الواحد.. وهو في كل يوم يزداد توسعاً ويتسع نفوذاً على الأرض ويستولي على عتاد للجيش والأمن ويحاصر المعسكرات وياسر الجنود ويهاجم نقاط الأمن ويحتل المدارس والمباني الحكومية والمديريات ويخضع المواطنين ورجال القبائل لإرادته وسطوته بقوة السلاح في محافظة بحجم محافظة صعدة، ويتمدد في المحافظات المجاورة ويفتح فيها جبهات قتال ونفوذ متى أراد، ويقطع الطرق ويبني التحصينات في الجبال والوديان ويمتلك سلاحاً متطوراً ويزرع الأرض بآلاف الألغام المتنوعة ولديه من التموين والمؤن والذخائر والعيادات الطبية والمطابخ ووسائل الاتصالات ما يجعله يعتقد بأنه مؤهل لأن يكون دولة داخل الدولة، فكيف لا يكون تمرداً؟؟ هل نسميه جمعية خيرية أو نطلق عليه مسمى منظمة مجتمع مدني أو حزب سياسي أو مذهب ديني؟؟ أم أنه كما ينبغي أن نسميه تمرد خطير على أمن البلد واستقراره وتهديد صريح لسيادة الدولة اليمنية بكل معطياته ومخرجاته حاضراً ومستقبلاً.إن فشل الحكم في إخماد التمرد خلال خمس سنوات مضت على اندلاع شرارته في صعدة كان نتيجة أخطاء كارثية ينبغي عليه الاعتراف بها ولا يجوز السكوت عن تكراره، ذلك أن للدولة مسؤوليات إن فرطت بها أو تخاذلت عنها فإنها تفرط في شرعيتها وفي مصالح البلد وفي حق الشعب في الأمن والاستقرار والتنمية.

التمرد وتوليد الأزماتومنذ اندلاع شرارة التمرد الحوثي في صعدة صيف العام 2004 توالت الأزمات في ربوع وطن أفقدته الكثير من مقدراته وألحقت جروحاً غائرة في وحدته الوطنية وفي تجربته الديمقراطية وتطلعات شعبه نحو مستقبل آمن ومستقر ومزدهر، وأساءت إلى اليمن السعيد ليصبح بلداً موصوماً بالتعاسة نتيجة أخطاء أبنائه وضعف حكامه في التعاطي مع أزماته واستمرار نخبه السياسية والاجتماعية في تحويله إلى ساحة صراع وتصفية حسابات على حساب أمنه واستقراه، فكان أن برهنت هذه النخب أحزاباً ومنظمات جماهيرية ومؤسسات المجتمع المدني عجزها في تبني مشروع وطني ينهض بالبلد سياسياً واقتصادياً وتعليمياً وتنموياً وديمقراطياً يواجه التحديات والأزمات برؤية وحسم ويتخطى بصلابة وإرادة وطنية مسببات تعثره ومخاطر تداعيات الأزمات والاحتقانات الداخلية.. إن تمرد صعده ولد حروباً حصدت آلاف الأرواح وهجرت مئات الآلاف من قراهم وبيوتهم ومزارعهم.. دمرت بيوتاً وأحرقت مزارع ويتمت أطفالاً ورملت نساء وأثكلت أمهات وأبكت آباء وأخوة وأحزنت مجتمعاً وتركت وراءها أحزاناً ويأساً وقنوطاً.حرب صعدة.. أثمرت حراكاً في جنوب وطن لم يكد يلملم جراحه ويسدد ديون صراعات أبنائه وحماقاتهم وطيشهم وزيغ عقولهم. وهيأت لـ"الإرهاب" قواعد انطلاق لضرب اقتصاد البلد وتهديد مركزه الإقليمي والدولي وتحويله إلى جبهة مواجهة بين تنظيم "القاعدة" والعالم المتربص خيفة من "إرهاب" لا وطن له ولا هوية و"إرهابيون" تحجرت عقولهم وفقدوا الشعور بالانتماء لوطنهم ومجتمعهم، وأهدرت حرب صعدة إمكانيات لم يكن لها أن تهدر ولا يزال الهدر مستمراً.إن اليمن بإمكانياته وأزماته لا يمكنه أن يحتمل حرباً سابعة وثامنة في صعدة.. ولا يجب أن يتحول مسرحاً لأطماع إقليمية لكي تتقاذفه رغبات الكبار ومؤامرات الصغار، فإما أن ينتصر في حربه السادسة أو يعلن استسلامه قبل أن يتهيأ لحرب بعدها، فلا ينجيه منها وسيط ولا يأتيه من بعدها أكثر مما فقده قبلها.. ولعل اليمن فقد الكثير في هذه الحرب وعلى أبنائه أن يتحدوا وأن يدركوا وطنهم قبل أن يضيع وتتقطع أشلاء أبنائه بين خرائب الشعارات وكهوف الجبال وأعداء الأمان وصناع الخوف والتخلف والموت ودعاة التشرذم والعبودية البائدة.

الأحزاب ووحدة الجبهة الداخليةوفي ضوء هذه المتغيرات بكل معطياتها وأبعادها الخطيرة على مستقبل اليمن فإنه يتوجب على الحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام) أن يتبنى مشروعاً وطنياً يهدف إلى ترتيب البيت اليمني من الداخل من خلال الحوار الصادق وبناء الثقة مع شركائه في تحالف أحزاب المعارضة المنضوية في "اللقاء المشترك" وبحيث يستوعب كل الآراء ووجهات النظر على الساحة الوطنية حول كل التطورات والأزمات الداخلية الراهنة وخلق شراكة وطنية وسياسية يتوافق عليها شركاء العملية السياسية والديمقراطية في الحكم- والمعارضة من خلال تقديم تنازلات متبادلة يتخلى بها كل طرف عن تمترسه ضد الآخر، ذلك أن اليمن يستحق أن تقدم لأجله التنازلات، ذلك أن استمرار الصراع بين الحاكم –و"المشترك" هو استمرار للأزمات التي تفقد البلد مقومات استقراره وتحقيق تطلعات شعبه وأجياله في التنمية والعيش الكريم، وتصعيد الخلافات والاتهامات بين شركاء العملية الديمقراطية يزيد من توسيع الشرخ الوطني ويهدد الوحدة الوطنية بمخاطر الانهيار الذي يثير مخاوف الأشقاء من حولنا وتقلق العالم من حولنا في حين الأولى بنا -حكاماً ومعارضين- أن نتفق على إزالة مخاوفنا ونتوافق على حل خلافاتنا حرصاً على مصالح وطننا.

اليمن أولاًوهنا نسأل أليس من الخطأ أن يتعمد الحكم بكل مكوناته حزباً وحكومة وقيادة تجاهل شركائه في أحزاب المعارضة وعدم إطلاعهم رسمياً على التطورات الحاصلة في محافظة صعدة بما فيها المخالفات والاختراقات والأعمال المخالفة للدستور والقانون التي يرتكبها المتمردون "الحوثيون" منذ انتهاء الحرب الخامسة وإتاحة الفرصة لأحزاب "المشترك" في إبداء رأيها، وهل يعيب الحكم أن يطلب المشورة في مثل هذه القضايا الخطيرة والحساسة والتي تمس أمن البلد وسيادته وتهدد مركزه الإقليمي- والدولي.. أليس من حق أحزاب المعارضة أن تكون على علم واطلاع من جانب الحكومة على خطورة التمرد الحوثي والأطراف الخارجية التي تدعم هذا التمرد وأوجه هذا الدعم وما تشكله مخرجاته من تهديد للأمن الوطني والسيادة الوطنية والأمن الإقليمي والدولي في المنطقة.. ثم ما الذي يمنع الحكم من إطلاع أحزاب المعارضة على المبررات التي تستند عليها الحكومة في خوض الحرب السادسة ولجوءها إلى خيار العمليات العسكرية لحسم التمرد والقضاء عليه انطلاقاً من واجبها الدستوري والقانوني، ومن ثم إطلاع هذه الأحزاب على تطورات الحرب على مختلف الأصعدة أولاً بأول؟؟ في اعتقادي لا يوجد ما يبرر لـ"الحكم" هذا التجاهل لشركائه خصوصاً وأن الحكومة أبدت حرصاً على إطلاع مختلف دول العالم بهذه التطورات من خلال قنواتها الدبلوماسية واتصالاتها ومباحثاتها الرسمية المعلنة وغير المعلنة -وهذا بالطبع من حقها كدولة أن تحشد تأييداً إقليمياً ودولياً يؤكد شرعية إجراءاتها الأمنية والعسكرية في إخماد تمرد مسلح بحجم التمرد "الحوثي" في صعدة والدفاع عن سيادتها وأمنها- بحيث لا يكون التأييد والدعم الإقليمي والدولي بمعزل عن تأييد داخلي وخصوصاً من جانب المعارضة.إن سياسة الحكم القائمة على تجاهل شركائه في أحزاب المعارضة وتعمد تهميشهم وعدم إشراكهم حتى على سبيل التشاور في مثل هذه القضايا الخطيرة والكبيرة أثمر في توسيع هوة الخلاف وتقطيع جسور الثقة والتواصل وأدى ولا يزال إلى خلط المفاهيم والحسابات وتبادل الأخطاء في التعاطي مع القضايا الوطنية.وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى أن الخصومة السياسية بين الحزب الحاكم – وأحزاب "المشترك" عكست نفسها على مواقفها من القضايا الوطنية ومثلما أخطأ الحاكم في تجاهل شركائه في "المشترك" ارتكب الأخير خطأ مماثلاً في تغليبه للخصومة السياسية على مواقفه من القضايا والتطورات المرتبطة بمصير البلد وأمنه واستقراره ووحدته حين يتعمد تجاهلها وكأنها لا تعنيه في شيء سوى ما تسفر عنه مخرجاتها من إضعاف للدولة وإنهاك للحكم، وأنا هنا أسأل أحزاب "المشترك" ما الذي منعها من إدانة التمرد "الحوثي" المسلح في جبال صعدة وتوسيع رقعته على الأرض ليطال مناطق أخرى في محافظات مجاورة، وما الذي يمنعها من إعلان موقف صريح وواضح بأنها تقف ضد كل الأعمال والممارسات والشعارات التي تستهدف سيادة اليمن ووحدته وأمنه ومستقبل شعبه وأجياله القادمة وأنها تحمل الحكومة مسؤولية القضاء على التمرد والأعمال التي تهدد الوحدة الوطنية بالوسائل التي يكفلها الدستور وتؤكد عليها شرائع الدول وتقاليدها بدلاً من أن تقف مكتوفة الأيدي.. وفي حين لا تزال الدول العربية من المحيط إلى الخليج تؤكد على دعم وحدة اليمن وأمنه واستقراره وترفض كل الأعمال التي تسيء إلى هذا البلد العربي وإلى شعبه الذي وقف ولا يزال مواقف مشرفة مع كل القضايا العربية.. وفيما الصحافة العربية والأحزاب والمنظمات تؤيد وتدعم اليمن في هذه الأزمات نجد صحافة أحزاب "المشترك" وبعض كتابنا وبعض صحافتنا المستقلة وكأنها لا يعنيها ما يحدث في صعدة من تمرد مسلح يحصد أرواح أبنائنا سواء ممن يقاتلون في صفوفه وأغلبهم مغرر بهم وصبية لم تتجاوز أعمارهم سن الطفولة أو من أفراد الجيش والأمن الذين يدافعون عن سيادة وطنهم وأمن مجتمعهم وأبناء وطنهم، بالإضافة إلى الضحايا الأبرياء أطفالاً ونساء وشيوخاً ممن أصابتهم مجرة الحرب وحرائقها.. ناهيك عن عشرات آلاف النازحين هرباً من سعيرها وآلاف المنازل والمنشآت المدمرة والمزارع المحروقة في محافظة فقدت الأمن وفقد أهلها السلام والطمأنينة.إن على اليمنيين حقاً لوطنهم أن يدفعوا عنه شرور المغامرين ويذودوا عن مقدراته ومكاسب شعبه وهويته التاريخية والوطنية.. ذلك أن اليمن أكبر من الأحزاب وخصوماتها وعلى هذه الأحزاب أن تدرك دورها الوطني قبل أن يدركها الخراب وقبل أن يتحول الوطن إلى أطلال خرائب يبكي عليها أبناؤه ندماً حين لا ينفع الندم، ذلك أن صعدة محافظة السلام ستبقى قلب اليمن الجريح، لكنها لن تبقى دَيْن اليمن على أجندة الطامعين ببقائه ديْناً يثقل كاهل الوطن إلى ميسرة!!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق