الاثنين، 7 سبتمبر 2009

الخلاص والملاذ…

كتبهافضل النقيب ، في 7 مايو 2009 الساعة: 17:48 م
ظلَّ الشعب اليمني يحلم بالوحدة حُلم الأعمى بعودة نظره، وكان ذلك الحُلم استشعاراً جماعياً وطنياً بأنَّ الخلاص يكمُن هُناك، الخلاص ممَّاذا؟ الخلاص، أوَّلاً، من استخدام مظلَّة الوحدة كملاذٍ للطُّغيان وإلغاء «الآخر» والانفراد بالحُكم والثروة وتخوين المُختلف وتغييبه أو نفيه أو الحَجْر عليه، ولو كان أكثر إخلاصاً من المُهيمن، وهُنا تضيع المقاييس، فتكون العبرة بالصوت العالي الذي يُحدث الضجيج عبر ما في يديه من وسائل ومنابر، وقد حدث ذلك قبل 22 مايو 0991م في الجنوب وفي الشمال، على حدٍّ سواء، وإن بدرجاتٍ مُتفاوتةٍ تبعاً لفلسفة الحُكم وتمايز مراكز القوى.والخلاص، ثانياً، من الحُروب الدورية المُتعاقبة بين الشمال والجنوب، وكانت تُقترف باسم الوحدة، ولكنَّها كُلَّما نشبت يوماً أبعدت الوحدة عاماً، ورُبَّما عقداً من الزمن، ينقضي في سَبْكِ الاتِّهامات وتلويث النُّفوس وتضليل العقول، حتَّى يُمهِّد لحربٍ أُخرى وقودها الناس والحجارة، وما تيسَّر جمعه من أموالٍ شحيحةٍ أو موارد ناضبةٍ كان يُفترض أن تذهب إلى التنمية والبناء وإيجاد أعمالٍ لِمَنْ يُعانون من بطالةٍ أزلية، حقيقيةٍ أو مُقنَّعة، ولكنَّ الحُروب تأتي على ذلك القليل وتُتيح الفُرصة لتُجَّار الحُروب للإثراء وكنز الأموال وتشييد القُصور والحصون، وما من أحدٍ يسأل أحداً : «من أين لكَ هذا؟».والخلاص، ثالثاً، من الشُّذوذ الأيديولوجي، مثل : «لا صوت يعلو فوق صوت الحزب»، أو «من تحزَّب خان»، ولم يكُن لدى طرفي المُعادلة منطقٌ ولا سندٌ من نقلٍ أو عقلٍ أو إلهام، وكانت المسألة برمَّتها تغطيةً في تغطيةٍ في تغطية، وقد جاءت الوحدة لتضع حدَّاً لكُلِّ ذلك وتجُبّ ما قبلها، فلم يَعُدْ الوطن ملاذاً للطُّغيان ولا بُؤرةً للحُروب وتُجَّارها ولا مفرخةً للشُّذوذ الأيديولوجي والرطانة الثورية وعمى الألوان، الذي تُصيب معه الأنظمة الذرَّة التي لا تُكاد تُرى وتُخطئ إصابة الجَمَل العظيم الذي يملأ الأرض والفضاء بجُرمه وهدير صوته، أمَّا النملة المُصابة، فهي المُواطن الذي تُصرفُ المُوازنات الضخمة لإقامة السُّجون له، وهي من نوع تلك المشهورة لدى الأنظمة البُوليسية، حيثُ الداخل مفقودٌ والخارج مولود، كما تُرصد مُوازناتٌ سخيَّةٌ أُخرى لغسل دماغه وتبييض ذاكرته حتَّى يكون مُطيعاً وراضياً بالمقسوم وعبداً في صُورة حُرّ، «يمشي على العجين ما يلخبطوش»، على حدِّ التعبير المصري الظريف المقصود به جنس القردة ممَّن لا ترى ولا تسمع ولا تتكلَّم سوى ما يسمح به سيِّدها الحامل للعصا والقليل من الجزر «الخايس».قُلْ يا سيِّدي وفَّقنا اللَّه وأكرمنا كشعبٍ حَفَرَ الصخر بأظافره، فتوحَّدنا دُون حربٍ ودُون ضرب، وكان أمرنا شُورى بيننا، فاخترنا الديمقراطية منهجاً والرأي والرأي الآخر مذهباً وتبادُل السُّلطة ملعباً، وأقسمنا على العدالة والمُساواة وتكافؤ الفُرص والبناء على إيجابيات النظامين اللَّذين أصبحا في ذمَّة التاريخ وكان شهر عسلٍ مُمتدٍّ دام حتَّى عام 4991م، فإذا بالرُّعود تقصف والبروق تُنذر والنُّفوس تتنمَّر، وهكذا وبدُون مُبرِّراتٍ وجيهةٍ عُدنا إلى المُربَّع الأوَّل، فوقعت الحرب، وكان ما كان، ممَّا تعفّ «شهرزاد» عن ذكره، حين تسكت عن الكلام المُباح مع إشراقة الصباح.كانت فُرصةً عظيمةً غداة انتهاء الحرب لرأب الصُّدوع من مواقع الاقتدار، وإطلاق برامج التنمية من موقع القرار، القرار الواحد، حيثُ لم يكُن بالإمكان قبل ذلك لسيفين أن يجتمعا في غمد، وللحقّ، فإنَّ الرئيس علي عبداللَّه صالح - كرئيس لكُلّ اليمنيين، وليس كرئيسٍ لحزب المُؤتمر - كان الحريص على إطلاق المُبادرة تلو الأُخرى ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ذلك أنَّه كان قد لبس وشاح الوحدة تاريخياً، وما كان له أن يُلطِّخه بالدم أو بالهوى، ولكن ما كُلّ ما يتمنَّى المرء يُدركه، فهُناك قوى سكرت بخمرة النصر وعميت عن الهُدى وانفتحت شهيَّتها على التربُّح والتملك والوكالات والعمولات ووضع العصي في دواليب البناء حتَّى يصلها حقّها إلى حصونها المُشيَّدة، وقد أظهر بعض هؤلاء من الاستفزاز لعامَّة الناس في السُّلوك والعنجهية والازدراء ما نفَّر كثيراً من الناس، فأسندوا كُلّ ذلك إلى الوحدة، كما أنَّ المركزية الشديدة والبيروقراطية العجيبة وعادات مَنْ ولّوا الأحكام من موروث الحُكم التُّركي، قد أرهق الناس من أمرهم عُسراً، حيثُ كُلّ مُعاملةٍ مرجعها صنعاء، وما أدراك ما صنعاء.اليوم رئيس الدولة يدعو إلى الحوار وإلى مُناقشة أيّ شيءٍ وكُلّ شيءٍ برحابةٍ وأُخوَّةٍ ونوايا مُخلصةٍ عدا الخطّ الأحمر، «الوحدة اليمنية»، ونحنُ معه في الحوار وفي السِّلْم وفي الأُخوَّة، على أن تكون الجدِّيَّة هي الرائد والمصداقية هي الشاهد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق