الاثنين، 7 سبتمبر 2009

حار ونار


آفاق
حار ونار
الأحد - 6 - سبتمبر - 2009 - فضل النقيب
يعاني الناس ونحن منهم من المرض وأوجاعه، ويعانون من الأطباء وقد اتسعت آفاق العلم وأدواته على مداركهم والنزر اليسير من معلوماتهم، مع إدراكهم العميق بأن قادم الأيام يحمل كل جديد من أركان الأرض الأربعة مما قد يجعل مسلمات اليوم إلى متاحف العاديات دلالة على استحالة حيازة الإنسان للكمال أو ادعائه الإحاطة بالمعرفة، ويعاني الناس أيضاً من الأدوية وأعراضها وتأثيراتها المتناقضة على أعضاء الإنسان الحيوية فما يفيد المعدة قد يضر الكبد وما يصرف سوائل الاستسقاء قد يوقف عمل الكلى وكل صاحب تخصص يعلفك من الكيماويات ما يقضي على جمل أبو سنامين وقس على ذلك فمنظومة الحياة مترابطة متواشجة متساندة على بعضها البعض إذا اشتكى منها عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، كما يعاني الناس الذي خلقوا في كبد من أطباء الغفلة سواء من ذوي النوايا الحسنة الذين يرفعون شعار "اسأل مجرب ولا تسأل طبيب" وهؤلاء قد يشيرون بما يودي بالمريض إلى التلف أو الإعاقة غافلين عن المثل الآخر " إن الطريق إلى جهنم معبد بالنوايا الحسنة" فهم الأبرياء الذين يتخذون من أوجاع الناس وتطلعهم إلى الصحة وسيلة لجمع المال يبيعونهم الضلالة بالهدى والأعشاب بالأسلاب والرقى السحرية بالدنانير الذهبية بعضهم اتخذ من قدسية القرآن الكريم ملاذاً ووقاية وبعضهم اتخذ من الطب النبوي راية وغواية وبعضهم اتخذ من الشعوذة حيلة وعماية والبعض دخل عصر الفضاء فأنشأوا القنوات التلفزيونية يستعرضون عبرها معجزات مصنّعة وآيات مقنّعة وهنالك من يستنزلون طب الأفلام والنجوم والأبراج والرجوم وخطوط الكف والرقوم يقرأون الغيب من وراء حجاب ويسيّرون الجن تحت الأرض وفوق السحاب والغيوم، والعقل العربي الهامد عبر العصور يستجيب لكل ثور مقرن من أصحاب العيون المفنجلة والحناجر المنكرة والصارخين تحت غمام البخور بالبسملة والحوقلة وحي.. حي..، هذا ولم أتحدث بعد عن الأطباء التجار وهؤلاء «قضية ما تَحملها ملف» على حد قول السيد حسين أبي بكر المحضار رحمة الله عليه، يفتح الواحد منهم عيادته وعينه على المليون الأول، وسرعان ما يتحقق إذا كان له لسان بهلوان ونعومة أفعوان وآخر ما ينكر فيه أخلاق الطب وقَسَم أبوقراط فكل ذلك عنده من سقط المتاع، أليس التاجر يكسب بالحذاقة والمذاقة والمهني يتاجر بما ليس له به طاقة والسياسي يبهرر بعينيه ويقرأ أفكار الناس بالحداقة التي سرعان ما تتحول إلى أرصدة ومدخرات وسيارات ومجوهرات وأسفار وغزوات وهو في أعماقه يقول: لقد خلق الله المغفلين لكي أظهر مواهبي ثم إن رأسمالي غير قابل للذوبان ولا معرض لما تتعرض له الأسهم والسندات من النقصان، فهو مخبوء تحت لساني يطمئن الموالي ويقدح الشاني، إذاً فالطبيب التاجر معذور أليس واحداً من الناس على رأي صلاح عبد الصبور، وأعرف أحد هؤلاء التجار المتطببين الذي يتفوق على «مارادونا» في المراوغة وينافس علي محسن المريسي في امتصاص الكرة بصدره، وكرته هنا هي طمأنتك وأنت الغافل لك الله بأنك قد جئت الرجل المناسب في المكان المناسب في العلم الذي دونه مناسيب البحار، هذا طبعاً قبل القبض حيث الابتسامة تشع أما بعد الجزر والنحر فما ثم غير الجهامة والقتامة والتبرير والتغرير، أوقفني في مقام الشفاء وقال لي هات ما عندك؟ قلت وقلت وقلت حتى زال عني نصف المرض من القول، قال: وهذا الأمر البسيط هو الذي أزعجك، قلت له: ما تحرق النار إلا رجل واطيها، قال إذاً فلنباشر الفحص ولكن هل أنت مستعد بالزلط والعدي، قلت له: ومن قصد البحر استقل السواقيا، كل الاستعداد يا سيدي، انفرجت أساريره، وقال: أقل من نصف دقيقة وأخلصك من الآلام بسحر الليزر وبركاته، كدت أقتلع عيني من القهر وأنا الذي أعاني حد الدخول في غيبوبة منذ أكثر من عام من الأوجاع.. يا صبر أيوب؟؟ مددني ولم يتسن لي أن أرى ليزراً ولا يحزنون، وقال لي لقد قتلت البواسير، تعرف يعني إيه قتل، قلت له فوراً وإلى الأبد؟ قال نعم ولكن أمامك أسبوعين من العناية البسيطة، قلت له ألم تسمع بالمثل اليمني "يا ذي صبرتي سنة زيدي ثمان" تبسم ببلادة الذي لا يعرف غير صر الفلوس وتصحير النفوس، قل مضيت أكاد أطير من الفرح بعد أن دفعت ما يزيد على ثلاثمائة ألف ريال، كل واحد ينطح أخوه، وأنا أمني النفس بالصحة ونعيمها، ولكن هيهات فبعد أن قطعت 150 كيلو متراً عائداً إلى مضارب بني عبس إذا بالآلام تشتد وقد صبرت أسبوعاً، سميته أسبوع الآلام قبل أن أعود إليه محمولاً عبر 150 كيلو متراً، ما إن رآني حتى غاضت الابتسامة وقد أدرك من سحنتي أنني ناوي شر، قلت له: لا شر ولا يحزنون، ولكن لماذا هذه الإعلانات تخدع بها الناس وأنت لست كفؤا لما تقول: قال يا شيخ: الله الله، ليس الطبيب سوى سبب من أسباب الله، قلت له: أعرف ولكن أسباب الله ليست بهذه الكلفة الهائلة يا مليونير البواسير، بُهِتَ، قلت له: حار ونار إنشاء الله في بطنك ماذا بإمكاني أن أفعل أكثر؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق